المغربي يسجل رحلة اغتراب بين وطنين.. الجزائر وفلسطين

الجسرة الثقافية الالكترونيةكتاب «للدكتور عبد الله صلاح المغربي من جرجرة إلى الكرمل» ليس سيرة ذاتية خالصة، بل هو كتاب يقدم التاريخ بأسلوب القصة، ليجمع العام بالخاص، في توليقة ممتعة تجمع بين المادة العلمية والصياغة الأدبية.
الكتاب عالم من السرد الروائي، غني بالمعلومات، والشواهد، يعتمد المنهج العلمي عبر تحليل سياسي وإجتماعي واقتصادي لتاريخ الهجرات المغاربية وخاصة الجزائرية إلى بلاد الشام.
يرصد المؤلغف الذي يعمل منذ سنوات مستشارا في مجال البحث والدراسات في ابوظبي بالوثائق، حقبة منسية من تاريخ العلاقات بين مشرق الوطن العربي ومغربه، مسلطا الضوء، على ظروف هجرة مجموعات من المغاربة، ومنهم الجزائريين إلى المشرق العربي، وبالتحديد لفلسطين، هربا من ظلم المستعمر الفرنسي، كما يتناول وقائع وذكريات موثقة، الصعوبات التي اعترضت إندماجهم في أوطانهم الجديدة.
والكتاب يقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، يخرج عن إطار السيرة الذاتية البحتة، ليتناول البيئة السياسية والاجتماعية، التي أحاطت بتجربة عائلة المؤلف، والمعاناة التي لحقت بهم، سواء خلال الهجرة الأولى من موطنهم الأصلي في الجزائر، او هجرتهم الثانية من فلسطين إلى لبنان بعد عام 1948، الذي شهد قيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين.
الكتاب مليء بالشواهد العلمية والوثائق التي تتناول تلك الفترة، إلا أن المؤلف إعتمد اسلوب السرد القصصي، الذي دمج بين العام والخاص، وعندما يتتبع جذور العائلة في الجزائر يتطرق إلى مراحل الهجرة المغاربية إلى بلاد الشام في القرن الثامن عشر إبان الحكم العثماني، قبل أن ينتقل إلى تتبع هذه الهجرات في المرحلة التي وقعت فيها الجزائر تحت الانتداب والاحتلال الإستيطاني الفرنسي، وكيف ساعد وجود المناضل الجزائري الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق، بعد قمع ثورته من قبل الفرنسيين، عشرات العائلات الجزائرية للقدوم إلى بلاد الشام بحيث قدرت اعدادهم مع نهايات القرن التاسع عشر بأكثر من 28 ألف نسمة.
ويتناول الكتاب بعد ذلك توزع المهاجرين الجزائريين في القرى والبلدات الفلسطينية، مفصلا اسماء العوائل التي سكنت في كل قرية من هذه القرى ومعطيا نبذه عن الطبيعة الجغرافية والاجتماعية لتلك القرى.
ويقدم الكتاب شرحا للدور الذي لعبتة العائلات الجزائرية التي استوطنت فلسطين في مقاومة الاحتلال الصهيوني، ودوافعهم للانخراط في أعمال المقاومة. ويشير في هذا الصدد إلى أن العائلات الجزائرية التي استوطنت فلسطين كانت مستهدفة من قبل الصهاينة حيث عملت المنظمات اليهودية بالترغيب والترهيب على الاستيلاء على املاكهم. كما تناول الكتاب الدور الذي لعبه الجزائريون في حرب 1948 معددا اسماء بعض الشخصيات والرموز الوطنية التي كان لها اسهامات بارزة في هذا المجال.
ويبدأ في سرد قصة هجرة عائلته التي بدات بوصول جده إلى بلاد الشام. ويمهد لذلك بالحديث عن الظروف التي دفعت العائلة للهجرة والجذور القبلية والعائلية للاسرة، ويواكب المؤلف بعد ذلك رحلة العائلة في بلاد الاغتراب إلى أن استقر بعضهم في صيدا في لبنان، حيث يشير إلى التمييز الذي تعرض له الجزائرون على يد الإنتداب البريطاني في فلسطين حيث حرم المهاجرون الجزائرون من الجنسية الفلسطينية بالرغم من أنهم كانوا من الناحية القانونية رعايا للدولة العثمانية ويحق لهم الحصول على جنسية الدول التي كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية، لكن الانتداب ولتسهيل الاستيطان الصهيوني في فلسطين عمل على حرمان الجزائريين من الجنسية ا لفلسطينية
ويتناول المؤلف الصعوبات التي عانى منها المهاجرون الجزائريون لإستعادة جنسيتهم الجزائرية بعد سقوط الدولة العثمانية وكيف عرقلت البعثات الدبلوماسية الفرنسية مساعي العديد من أولئك المهاجرين لأسباب واهية. وقد نشر المؤلف بعض الوثائق واوراق العائلية التي لم تشفع لهم استعادة جنسياتهم المفقودة، ليختم المؤلف كتابه بشرح الجوانب القانونية التي تتناول حقوق المهاجرين الجزائريين الذين يعيشون في بلاد الاغتراب بدون جنسية وضرورة العمل على ارجاع حقوقهم السياسية والمدنية.
الراي