المفارقة في القصة القصيرة – مصطفى لغتيري

الجسرة الثقافية الالكترونية
تتميز القصة القصيرة جدا بكونها فن المفارقة بامتياز، فقصر شريطها اللغوي لا يتيح لها التعاطي بشكل مناسب مع بعض التقنيات الكتابية، لذا تحتاج إلى شيء لامع يغطي عن هذا القصور، فلم تجده سوى في المفارقة، التي تخلق الدهشة لدى القارئ ومن ثمة الأثر المطلوب الذي تسعى الأجناس الأدبية بصمه في نفس المتلقي.
وليست المفارقة سوى ذلك التناقض الظاهري الذي يكسر أفق انتظار القارئ، فالقصة تمضي في سردها للحدث على وتيرة معينة، ثم ما تلبث أن تفاجئنا بنهاية أو قفلة مختلفة ومتناقضة مع ما تقدم، لهذا يتولد عنها نوع من السخرية، وغالبا ما ترسم على شفتي القارئ ابتسامة حيية أحيانا أو قهقهة مزلزلة أحيانا أخرى.
في ورشتنا اليوم سنكتب نصوصا قصصية قصيرة جدا تتميز بمفارقات لامعة، تمنح النص قوته، وتشبع رغببته في الحصول على متعة القفلة المفارقة المتميزة.
لنتأمل هذه النماذج:
الشهرة.
أنريكي أندرسون إمبرت.
رآها الشاعر تمر بسرعة ،وبسرعة جرى وراءها،واشتكى:
-لا شيء لي أنا ؟لقد ميزت شعراء كثيرين أقل مني ،وأنا متى يأتي دوري؟
ودون أن تتوقف ،نظرت الشهرة إلى الشاعر بازدراء،وأجابته ضاحكة ،ومسرعة الخطو:
– في غضون عامين بالضبط، وعلى الساعة الخامسة زوالا بمكتبة كلية الفلسفة والآداب ،سيفتح صحافي شاب أول كتاب نشرته ،وسيأخذ منه معلومات لإنجاز دراسة تبجيلية .أعدك أنني سوف أكون هناك.
-آه ..سأشكرك كثيرا على ذلك.
– اشكرني الآن ،فبعد عامين لن تكون هنا.
ثروة.
تشيخوف
منذ أربعين عاما ،عندما كنت في الخامسة عشرة ، عثرت في طريقي على ورقة من فئة جنيه..منذ ذلك اليوم لم أرفع وجهي عن الأرض.
أستطيع الآن أن أحصي ممتلكاتي ، كما يفعل أصحاب الثروات في نهاية حياتهم..فأنا أملك 2917 زرا،و 34172 دبوسا،و12 سن ريشة،و13 قلما،ومنديلا واحدا ، وظهرا منحنيا ، و نظرا ضعيفا ، و حياة بئيسة .
الخلاص
مصطفى لغتيري
أحدثت الطلقة صوتا مدويا، أفزع الطيور، فانتفضت هاربة….
وحدها عصفورة ـ كأنها تعاني من اكتئاب حاد ـ طارت في اتجاه الصياد، باحثة عن فرصة للخلاص.
متحسرا رفع الصياد عينيه،
لمح العصفورة الضئيلة تحوم فوقه،
استخسر فيها الطلقة، فتجاهلها….
لكن، حين لاحظ إصرارها، تأملها لحظة.
و كأنها أوحت له بفكرة الانتحار،…
وجه فوهة البندقية نحو نفسه، ثم… ضغط على الزناد.
المتنكر
تشيخوف
يسير في القرية رجل سكران ، يغني و يعزف على الهيرمونيكا عزفا كالعويل ، على وجهه يبدو تأثر ثمل . إنه يضحك و يرقص ، يعيش حياة مرحة ، أليس كذلك؟ … لا ، إنه متنكر ، فهو يقول في داخله :”جوعان .. أريد أن آكل”.
وجه
جمانة طه
قالت معلمة الصف لتلميذاتها:
فصل الربيع هو موضوع اليوم .. على كل واحدة منكن أن تعبر بالأسلوب الذي تراه مناسبا.
أمسكت بسمة بالقلم و رسمت وجه أمها.