المكسيك تحتفي بمئوية الشاعر أوكتافيو باث

الجسرة الثقافية الالكترونية
المصدر/ الدستور
بالرغم من الصداع المتكرر الذي سببه لها، وبالرغم من مواقفه التي أسالت الحبر وأثارت الجدل، لم تفوت المكسيك على نفسها شرف الاحتفال بمرور مائة عام على ميلاد شاعرها أوكتافيو باث (1914-1998) هذا «الابن الضال» الذي رفض العودة إلى أحضان أمه وتحمّل سخطها وغضب رجال السياسة والفكر والأدب فيها من اليمين واليسار، مفضلا الانتصار للقيم الكونية التي طالما آمن بها، قيم الحرية والعدالة والمحبة.
عن سيرة «باث»، وعن منجزه الأدبي الذي توج سنة 1990 بحصوله على جائزة نوبل للآداب، صدر مؤخرا -وبشكل متزامن- كتاب في طبعتين إسبانية وفرنسية تحملان نفس العنوان: «باث في قرْنِهِ» (أي في القرن العشرين الذي عاش فيه)، كتاب خصصه صاحبه «كريستوفر دومينغاز ميشال» للحديث عن «باث» كما عرفه عن قرب بعد أن كان أحد أشد معارضيه، وما أكثرهم.
لم يتسن لـ»باث» أن يكتب سيرته الذاتية وهو على قيد الحياة، ولعله كان يؤجل كتابتها حينا بعد آخر أو يمتنع عن كتابتها أصلا اقتناعا منه بأن «ممارسة الحياة» وخوض غمارها و»الاشتباك» معها -بقواعد أو دون قواعد- أفضل بكثير من مجرد الاكتفاء بتدوين وقائعها على الورق.
تلك هي أهم نتيجة يمكن للقارئ أن ينتهي إليها عقب الفراغ من مطالعة سيرة باث كما أصدرت طبعتها الفرنسية منذ أيام دار غاليمار للنشر في 432 صفحة.
منذ فاتحة الكتاب، يضعنا دومينغاز ميشال في السياق الدرامي الذي اكتنف ليلة 19 نيسان 1998 هذه التي أسلم فيها باث روحه إلى بارئها.
في تلك الليلة، كان الشعور الطاغي على جميع الحاضرين شعور فجيعةٍ وألم. فقد تبادلوا نظرات دامعة هي أقرب إلى «الشفرة السرية» وتواعدوا -في ما يشبه الإجماع السكوتي- على أن يحفظوا سيرة معلمِهم وأن يدونوها كتابة. ولكن الزمن شتتهم وأنساهم ما تواعدوا عليه، وهذا ما حاول دومينغاز ميشال أن يتداركه متسلحا بمادة لم تكن متاحة لغيره، وبرؤية هي غاية في الخصوصية والفرادة، مادة ورؤية أتاحا له أن يكتب سيرة أوكتافيو باث كما لم يكتبها باث نفسه!