المواطنة هل هي السبيل للاستقرار ؟

الجسرة الثقافية الالكترونية
مقال لرئيس مجلس إدارة نادي الجسرة الأستاذ إبراهيم الجيدة في جريدة الراية القطرية
كثيرًا ما يتساءل الناس البسطاء وحتى المثقفين وما يُطلق عليهم النخب في هذا الزمن الإعلامي الفضفاض عن السبب في أن المجتمعات المتقدمة مستقرة والمتخلفة أو النامية – من باب الأدب في التوصيف أو تجميل العبارة – نجدها متصارعة ومتناحرة ومترنحة؟.
وتشرع النخب التي صنعها الإعلام في السنوات الأخيرة في التفلسف والتنظير والتحليل والتدقيق والاستنباط وغيره ما لا يقدم شيئًا أو يؤخر في حقيقة الواقع الذي يعيشه الناس البسطاء وهم يشكلون السواد الأعظم من القوى الشعبية العربية.
غير أننا ببساطة شديدة نستطيع القول إن السبب الرئيس هو غياب قيم المواطنة في هذه الشعوب، فالذي يجعل المجتمعات تغلي من الداخل وتظل تكبت غليانها هو عدم تحقيق ما تريده لفقدانها قيم المواطنة.
ويبدو للعيان – من خلال الوسائل الإعلامية غير الموضوعية – أن المجتمع مستقر ويعيش حياة مزدهرة وهادئة مستقرة لكنه في حقيقة الأمر ليس كذلك، إذ يمكن للإنسان أن يعيش حياة الكفاف وشظف العيش ويتحمل قسوة الأوضاع الاقتصادية إذا شعر أن قيمته كمواطن لم تهدر، وأن كافة أفراد المجتمع وفئاته سواء أمام القانون والدستور، وأن ما يعيشه من فقر أو غنى هي حياة مشتركة يعيشها كل أفراد المجتمع، حينئذ لا يشعر بالظلم أو الغبن أو التمرد على الواقع ،بل يساهم في نهضة بلده وتقدمه قدر استطاعته، ويشعر أن انتماءه لوطنه وأرضه انتماء حقيقي لا تحده حدود ولا تقيده قيود، بل يستطيع أن يعيش ويعمل بأقل القليل الذي يتناسب ومقدرات وطنه الاقتصادية.
ومن هنا يتشكل الاستقرار وعلى مدى التاريخ البشري لم نجد شعوبًا صنع منها الثراء استقرارًا، ولا الفقر تمردًا أو العكس ،ولكن ما صنع الاستقرار على مدى التاريخ البشري هو إرساء قيم المواطنة الحقيقية.
والمتأمل في تاريخ الحضارات يجد أن الحضارة البشرية عندما تحيد عن تحقيق قيم العدالة والمساواة لكل أفراد المجتمع والتي هي جوهر مركزية المواطنة حينئذ تنهار الحضارة البشرية سريعًا ويصبح استقرارها في مهب الريح.
وهكذا الدول عندما تنهار وتتفسخ فيها قيم المواطنة ويشعر الفرد داخل مجتمعه أنه لا قيمة له، وفاقد لحقوقه وحريته التي يتمتع بها غيره داخل مجتمعه وهو محروم منها حينئذ يشعر بالضياع والانهيار وعدم الانتماء، وفقدان الانتماء هو بداية الشرارة لتفسخ المجتمع وعدم استقراره.
لذلك دون فلسفة أو شواهد كثيرة نستطيع القول إن استقرار أي مجتمع من المجتمعات في أي مراحله التاريخية مرهون بتحقيق قيم المواطنة الفعلية القائمة على التطبيق الفعلي للقانون والدستور وبدون ذلك سنظل في قلاقل لمراحل تاريخية طويلة لا نعرف لها نهاية.