الموتُ يحرثُ غزةَ – نضال برقان

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

غزّةُ تحت النار، وأنا أما التلفاز، مكلومٌ وحزينٌ.

***

بين فترة وأخرى أتابع مسلسلي الخاص (غزة تحت النار)، الذي تبثه الفضائيات مباشرة، أثورُ على الزعماء العرب أمام أفراد أسرتي، مفنِّـدًا كلَّ الأسباب التي تحول دون اتخاذ إجراء واقعي لمساعدة الأهل هناكَ، ومبرزًا عضلاتي السياسية والخطابية، ورفضي الكامل لكلّ ما يجري، في غزة وفي البلاد العربية كلَّـها، ومتهمًا الجميع، طبعا، بـ(الخيانة).

***

“عندما كنتِ ترحلين كان الخراب ينهشُ جسدي، أما الآن فالخرابُ ينهشُ غزَّةَ وأهلها، عليكِ مراجعة حساباتك الأخيرةِ جيدًا، ربما تعودين، ليس رأفة بي ولكن بأهل غزة، الذين سيتوقفون عن الموت بالحال مجرد أن يشموا رياحكِ، فأينكِ..”، بذلك كان الشاعرُ يهجسُ، وهو مستلبٌ أمام مسلسله المباشر (غزة تحت النار)، ويلحظُ فجأة أن جميع أبنائه، وأمِّـهنّ ينتظرون منه شيئا، فيستنكر، ويرفض، ويشجب.

السواد الرطب كان قد تمدد في قلبه وعينيه، وما زال يستنكر، ويرفض، ويشجب.

***

هو الحبّ لو تعلمين أبي

وأمّي التي هجعت منذ عامين في هدبي

هو الحبّ كان ندائي، وكان

جناحي، ولمّـا يزلْ كوكبي.

وضوحي الذي في (أحبّـك)،

مسعاي باسمك من غير ما نَصَبِ

ورودي التي لا تملّ التفتّح في الطرقات

وإن قُصِفتْ كلّ حين بلا سببِ 

هو الحبّ صدّقتُه وصدعتُ

وإن ثقبت يده مركبي

يناديك ملء دمي الحبّ

لو تعلمين

فأينك ..

 

هو الحبُّ، لو تعلمين، أبي

وأمّي التي هجعتْ، منذُ عامين، في هُدُبي

 

هو الحبُّ كان ندائي

وكان جناحي

ولمّـا يزلْ كوكبي

 

وضوحي الذي في (أحبُّـكِ)،

مسْـعايَ، باسمكِ، من غير ما نَصَبِ

 

ورودي التي لا تَـملُّ التفتُّح في الطرقاتِ

وإن قُـصِفتْ، كلَّ حينٍ، 

بلا سببِ

 

هو الحبُّ 

صدّقتُه وصَدعْـتُ

وإن ثَـقَـبتْ يدُه مركبي

 

يناديكِ ملء دمي الحبُّ: 

ـ يا غيمةَ الروحِ مرّي على الجرحِ.. وانسكبي

 

* * *

.. وإذْ تعصفُ الحربُ

تحصي الكبيرةُ إخوتِـها

ـ “لم نزلْ تسعةً منذُ ستِ قذائفَ”

إذْ تعصفُ الحربُ.. تبحث والدةٌ عن روائحِ أبنائها 

في ظلامِ الركامِ

وتهجسُ:

“يا ربُّ..  لو قـُبـلةً”

.. وقبيل انفلاتِ الهتافِ

قبيل اشتعالِ الزغاريدِ

كان أبٌ في الثلاثين يحملُ أصغرَ أبنائه

ويجاهدُ حتى يظلَّ السؤالُ بعيداً..

ـ لماذا سبقتَ أباكَ.. ومتَّ؟

* * *

سلامي على الطيِّـبينْ

على العاشقين.. أحبّـوكِ واقفةً

وقضوا نحبَـهم واقفينْ

على القابضين ترابَـكِ/ جمرَ اليقينْ

على الأمهاتِ الصغيراتِ 

حين يُـشعْـشِعـنَ، في زفـَّـة الشهداءِ، بلا غبشٍ

ناصعاتِ الجبينْ

سلامي عليهنَّ حينَ يطرّزنَ ليلَـكِ بالأغنياتِ 

وفجرَكِ، مع كلِّ تكبيرةٍ، بالحنينْ

سلامي على الشهداءِ وقد صعدوا دربَـهم باسمينْ

على الحافظين مواعيدهمْ.. كلَّ حينْ 

سلامي على الطيِّـبينْ.

***

بعد برهة نظر حوله، لم ير أحدا من أفراد أسرته، جال البيت مفتشا عنهم من دون جدوى، بعد برهة أخرى، طالعهم جميعا من خلال شاشة التلفاز ضمن مسلسله المباشر (غزة تحت النار)، مرعوبين تماما، ويصرخون: بابا .. بابا..، عندها حاول أن يفعل شيئًا، بيد أن لم يستطع، كان استحال إلى فراغ.

 

(عمان، 3، آب، 2014)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى