‘النجمة والكوكوت’ .. يوميات كاتبة وفنان تونسيين

هيام الفرشيشي
“النجمة والكوكوت” كتاب لحفيظة قارة بيبان يتكون من المذكرات واليوميات، ولم تكن المرة الأولى التي اعتنت فيها “بنت البحر” بهذا النمط الكتابي، فقد أصدرت سابقا كتاب “أجمل الفضائح” في 2007، ضمنته الكثير من ذكرياتها الخاصة مع شخصيات ثقافية مثل محمد العروسي المطوي، وفاطمة سليم، ونافلة ذهب، وعبدالواحد ابراهم وغيرهم
من مؤلفاتها القصصية “الطفلة انتحرت”، وفي “ظلمة النور”، و”قهوة اكسبريس”، كما نشرت روايتين هما “دروب الفرار” و”العراء”.
“النجمة والكوكوت” كتابها الذي صدر أخيرا هو عنوان ليوميات كاتبة وفنان: القاصة والروائية حفيظة قارة بيبان والفنان التشكيلي حليم قارة بيبان، صدر في حجم كبير اذ بلغ عدد صفحاته 410. يتكون من مذكرات أدبية معتمدة التسجيل والتأريخ والإبداع أيضا، وتخللت المذكرات أعمال فنية تشكيلية بتقنيات مختلفة، وتشكيل العديد من التظاهرات الفنية بطلتها” الكوكوت”.
قبل البدء وفي مفتتح الكتاب تقول الكاتبة” كيف التقينا من جديد؟ عاشقة اللغة ومجنون الرسم والتشكيل، شقيقان جمعهما هوى البحر واللاحدود، والطفولة الماضية، الساكنة الاحداق، وفرقتهما الايام والمسافات.
كيف التقينا؟ لنعود طفلين شقيين تجمعهما الثورة المكتسحة أرض تونس، ويأخذهما عشق وجنون حول “كوكوت” تصنع الحكاية، وتخترق الفضاءات وتجوب العالم؟
• الزمن والأحداث
حددت الفترة الزمنية التي تناولتها الكاتبة في مذكراتها بين ديسمبر/كانون الأول 2010 وديسمبر/كانون الأول 2013. فقد كتبت في فترة زاخرة بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية. ودونتها اعتمادا على معايشتها لها. هي الفترة التي عرف فيها المجتمع التونسي ثورة، تلاها ظهور العنف والإرهاب والاغتيالات والتضييق على الفكر والثقافة.
وقد رتبت الأحداث حسب الزمن والعاطفة والتأثير، فعلى سبيل المثال كتبت عن يوم 13 يناير/كانون الثاني 2011: “يبزغ في الذاكرة شهر يناير (جانفي التونسي). تاريخ ثورات سابقة أخمدت نيرانها، ولكن البركان الذي تراكمت عليه السنون، كان يتأرجح في صمت ليثور من جديد ولتكتسح حممه كامل البلاد. يعود لي الصباح، ولتكتسح حممه. يعود لي الصباح، يسرع خطوي.. ألحق بالجموع .. ألتحم بها..” (ص44).
• أنماط المذكرات
اختلفت أنماط المذكرات في “النجمة والكوكوت” فهناك مذكرات تاريخية ومذكرات وثائقية ومذكرات وجدانية، والكاتبة تكتب مذكراتها يوميا اذ نلمس فيها الدقة وزخم الأحداث والتوثيق الإبداعي لها وصدق الانفعال.
– المذكرات التاريخية: دونت من خلالها الوقائع التاريخية كشاهدة ومتفاعلة مع الأحداث، بما في ذلك تهميش الثقافة من طرف حكومة الترويكا، ومن بينها هذه المذكرة بخصوص التخفيض من ميزانية وزارة الثقافة، إذ كتبت في 29 ديسمبر/كانون الأول 2012 “يعلق العار لافتة على جبين هذه الحكومة، وميزانية الثقافة المهمشة دوما في لغة الحكام القدامى، تنزل أعمق من بئر التجفيف والتهميش لتخفض إلى 0,60 من ميزانية حكومة ما بعد الثورة. مع الخبر المهيب للعقل يأتي خبر آخر معلنا الزيادة في ميزانية وزارة الشؤون الدينية”.
– المذكرات الوثائقية: وهي لوحات فنية بطلتها الكوكوت التي عبرت عن غليان المجتمع في البدايات، ثم احترقت آخر الكتاب. أثث من خلالها الفنان التشكيلي حليم قارة بيبان الذي يعيش بين تونس وألمانيا وأميركا المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر. وهو متحف افتراضي جسد حلم الفنان للخروج من العتمة الى النور، واعتمد في اعماله على الكولاج وتقنيات أخرى. أول هذه التظاهرات كانت في 23 ديسمبر/كانون الأول 2010 وفي 19 يناير /كانون الثاني 2011 تحولت الى “اللجنة الشعبية لحماية المتحف الوطني” لحماية الحلم. وعرضت في معارض عديدة باريس، فرنسا، المانيا، وبلدان أخرى، وصار عدد الفنانين المشاركين فيها 147 فنانا من مختلف بلدان العالم.
في الصفحة 355، وفي نص موسوم باللوحة مصحوب بلوحة “المبارزة الاخيرة”، تصفه الكاتبة بـ “عالم عجائبي سريالي تنتشر شخوصه المركبة، ومسوخه بكثافة.. حول الحلبة والعشاء تبدو من بعيد على نصف الدائرة المقابلة قباب وجوامع وعيون”، وفي الصفحة يبدو الواقع الجديد شديد الوطأة جثم على روحها جسدته في الصفحة 356 “يسكنني الليل السريالي يجثم على الروح”.
– المذكرات الوجدانية: ومن خلالها نرصد انطباعات الكاتبة حفيظة قارة بيبان ووصف الأحداث التي شاهدتها عن قرب، أحداث محبطة نكست الحلم. في 3 مايو /أيار 2013: “نسائم الصبح مازالت تحمل براءتها وأنا على الطريق أتمشى في رياضتي الصباحية. تطايرت عصافير بين اغصان الشجر الباسق.
تطايرت أفكار مع خطاي على الرصيف ترسم أوراق كتابي القادم وتكتب بعض يوميات ثورة كانت وأمست حلما مجرد حلم..”.
فختمت الكتاب بالحلم الموؤود في الصفحة 410: “كانت رؤى والنجمة على رسم الغلاف تواجهان الكوكوت العابسة المتفحمة على نيران الأرض، وكانت النجمة تشدو بالصوت السماوي لمغنية الأوبرا آمال السديري، يصحبها صوت مبدع النغم، عادل بوعلاق”.
• على سبيل الخاتمة
قبل إصدار الكاتبة حفيظة قارة بيبان للنجمة والكوكوت كنت قد أجريت معها أكثر من حوار في صحف تونسية، وصرحت لي بأن الكتابة الإبداعية “هي موقف أيضا وهي شهادة على عالم لا يكتبه المؤرخون والفلاسفة بقدر ما يكتبه الأدباء والفنانون لأنهم ينطلقون من وجدان الإنسان وأعماقه ومن صراعه مع كل القوى التي تريد استلابه وسحقه”.
وحول تهميش الثقافة فهي ترى أن: “القوى الكبرى تدرك جيدا قيمة الثقافة، فهي تغزونا وتستعمرنا من خلالها. لنذكر يوم سقوط بغداد، كان أول ما استهدف الجنود الأمريكيون وزارة النفط والمتحف الوطني الحافظ للحضارة العريقة ولكنوز الثقافة العربية الذي فتح للنهب والتخريب
الثقافة قيمة ترتقي بوعي الإنسان، والمثقف من المفروض أن يكون له دور لينير المجتمع ويتبنى قضاياه”.
(ميدل ايست اونلاين)