الندوات التطبيقية تثير جدلاً بين الأوساط الفنية

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مصطفى عبد المنعم

المصدر: الراية

 

أثارت الندوات التطبيقية التي صاحبت مهرجان الدوحة المسرحي ٢٠١٥ جدلاً واسعًا بين الفنانين حول مدى مصداقيّة النقد والقراءة التي تقدّمها حول الأعمال المسرحية المُشاركة خلال المهرجان، حيث تراوحت الآراء بين مؤيّد لهذه الندوات ومؤكد لأهميتها ودورها في كشف مكامن الضعف والقوة في الأعمال المقدّمة، وبالتالي مساعدة الفنانين على تقويم أعمالهم وتلافي الأخطاء في قادم الأيام، مؤكدين أن النقد ليس شخصيًا وعلى الفنانين تقبّله وعدم الانزعاج منه، لأنه في غياب النقد البنّاء سوف ندور في حلقة مفرغة ولن نحقق التقدّم المنشود في الحركة المسرحيّة.

 

أما المُنتقدون للندوات التطبيقية فيرون أنها أصبحت للنيْل من أشخاص بعينهم وتشويه مسيرتهم الفنيّة، وبالتالي تحوّلت تلك الندوات إلى ساحات للانتقام وتصفية الحسابات في ظل ما تستقطبه من أشخاص غير أكفاء لتقديم النقد، وبالتالي أصبحت مكانًا لاستعراض العضلات بين أبناء المسرح، الأمر الذي سيفضي إلى تدمير الحركة المسرحيّة على المدى البعيد.

 

 

 

البلم: الندوات التطبيقية تصفية حسابات

 

قال الفنان محمد البلم رئيس مجلس إدارة المركز الشبابي للفنون المسرحية ورئيس فرقة الغد لفنون الدراما إن ما شاهدناه في النسخة الأخيرة من مهرجان الدوحة المسرحي والخاص بالندوات التطبيقية وضح جليًا أنها ليست للنقد الذي يبني وإنما هي بالفعل تصفية حسابات، لأن ما قيل في عدد من الندوات بخصوص بعض العروض لا يمتّ للمسرح بصلة ولا يسهم في إحداث الحراك المسرحي المنشود الذي نتأمله ونبحث عنه جدًا وهو الهدف الأساسي من إقامة المهرجان، فضلاً عن أن بعض من يتقدمون للحديث والمداخلات في الندوات ليس لهم علاقة بالنقد ولا بالمسرح، وهم أشخاص قدموا إلينا ولديهم أيدولوجيات أو توجهات مسبقة، وشعرنا وكأنهم في مهمة يودّون أن ينجزوها لصالح أشخاص بعينهم فهم يلقون بالتهم جزافاً ولا يعون ما يقولون، فلا يمكن أن يقول شخص من المفترض أنه يقدم نفسه ناقدًا مسرحيًا على عرض أنه “درس مطالعة”!! فهذا الكلام يسيء للجنة النصوص التي أجازت النص، ويسيء للجنة المشاهدة التي شاهدت العمل في مراحله الأولى وجميعهم أساتذة فكيف يقال عن عرض أنه “درس مطالعة”.

 

لهذا ينبغي أن تعيد اللجنة المنظمة النظر في الأمر وأن تحاسب كل من تسبّب فيما شاهدناه وأن يعملوا على تقديم حلول جذرية وليس أنصاف حلول أو ما شابه، وعلى من أحضر هؤلاء النقاد أن يراجعوا أنفسهم، فمن المفترض أن يكون الناقد أو الشخص الذي تتم دعوته من الأشخاص المعروفين في عالم المسرح ويكونوا من المُتخصصين والأكاديميين وألا يكون ممن لديهم توجهات أو عداوات تجاه أفراد أو حتى صداقات مع آخرين، حتى لا نشعر أن الندوات التطبيقية أصبحت مجالاً لتلميع صورة أناس وتشويه آخرين.

 

 

 

سالم ماجد: الندوات تحولت لساحات للانتقام

 

الفنان والمخرج سالم ماجد في هذا الأمر قال: نقد الأعمال المسرحيّة ليس به ما يعيبه أبدًا ومن الضروري أن نرى حالات الاشتباك التي تفضي في الأخير إلى نتائج إيجابيّة تصبّ في مصلحة المسرح والمسرحيين، أما استغلال الندوات من أجل تصفية الحسابات فهذا أمر مرفوض، وأنا واحد ممن عانوا في بدايات حياتهم الفنية من هذه الظاهرة التي كانت موجودة في الوسط الفني وتحديدًا المسرحي منذ نشأته، وأنا كنت أسميها ندوات الانتقام وليست الندوات التطبيقية، خصوصًا أن هناك من يستغلّ هذه الندوات أسوأ استغلال بهدف النيل من فلان وإحراجه أمام الآخرين، فقد كان البعض من الفنانين قديمًا يقودون هذه الحملات من خلال توجيه الندوات في الاتجاه السلبي رغم أن العمل جيّد ولا يتحمّل كل هذا الانتقاد والهجوم، ولكن للأسف كان يحدث هذا وقد مررت بهذه التجربة شخصيًا، حيث كان بعض الفنانين ممن لا يحبّون نجاح أعمالي ينتظرون هذه المناسبات لإرسال أتباعهم من أجل الهجوم على العمل، وكان هؤلاء يحرصون على الحديث في أولى الندوات حتى يوجهوا الحديث صوب الجوانب السلبيّة فقط فتسير الندوة في هذا الاتجاه خصوصًا إذا كان هناك غياب لنقاد أكاديميين لديهم القدرة على معرفة الغثّ من السمين، وأضاف ماجد: وهناك فريق آخر على العكس تمامًا يمتدح أعمالاً لا تكون جيّدة ولكنهم يقدمونها للحضور وكأنها أعمال لم يقدّم مثلها من قبل، وهؤلاء يطبلون لأغراض شخصية لا يعلمها إلا الله، ولفت المخرج سالم ماجد قائلاً: أما بالنسبة لي فإن العمل الفني الجيّد هو الذي ينال إعجاب الجمهور ويحظى باهتمام الصالة، فالجمهور بات لديه وعي ولا يمكن لأحد أن يضحك عليه.

 

 

 

بورشيد: تكشف مكامن الضعف والقوة بالأعمال الفنية

 

قال الفنان والمخرج سعد بورشيد رئيس قسم النشاط المسرحي بوزارة الثقافة والفنون والتراث ومدير مهرجان الدوحة المسرحي: تعوّدنا في ندواتنا التطبيقية التي تعقب العروض أن يكون بها شدّ وجذب وحدّة أحيانًا، وهناك من يعترض على هذه الحدّة، ولكن من وجهة نظري أن هذه الندوات بكل ما تحويه غاية في الأهمية لأنها تساهم في صلب عود الفنانين وتساعدهم على معرفة مكامن القوة والضعف في أعمالهم التي قدموها، وهذه الانتقادات يجب ألا يأخذها الفنان على أنها انتقاص أو تقليل لجهوده بل على العكس عليه أن يستعين بها ليقدّم في المرة القادمة أعمالاً خالية من الأخطاء نفسها، ولا يصحّ أن تكون الندوات التطبيقية فقط من أجل المديح والثناء وإلا فقدت أهميتها، ونحن كلجنة منظمة للمهرجان لا يهمّنا سوى تحقيق أهداف المهرجان التي تصبّ في صالح الفنان القطري والحركة المسرحية القطرية، وهو ما يعني أننا يجب أن نكاشف بعضنا البعض بكل أخطائنا وعيوبنا، فنحن مسرحيون ونقدّم لونًا من الفنون مهمته الأساسية هو انتقاد الأوضاع الخاطئة في المجتمع والتركيز على السلبيات، فكيف إذن لا نتقبل من ينتقد أعمالنا وعروضنا المسرحية؟!

 

وأضاف بورشيد قائلاً: نحن أيضًا نعيش في بلد حر ومنفتح على جميع الثقافات وأصبحت هذه السمات معلومة لدى الجميع فلا يجوز أن نحجر على رأي أحد أو نوجهه ليتحدّث بالإيجاب أو بالسلب عن عرض أو عن شخص، فهذا الكلام لا يجوز ولا يدخل العقل، ونحن في اللجنة المنظمة ندعو نقادًا وأكاديميين ليقولوا آراءهم بمنتهى الصراحة، وكل شخص يتحمّل نتيجة رأيه وتبعات ما يقوله؛ لأنه سيكون رأيه الشخصي الذي يؤمن به، وفي النهاية نحن نعمل من أجل النهوض بالحركة المسرحيّة ومن أجل العمل على إنجاح المهرجان ولن نسمح لأي شخص أن يفسد لنا ما نسعى جميعًا من أجل تحقيقه.

 

 

 

الباكر: الندوات انطباعية وملاحظاتها صحيحة

 

قال المخرج والفنان فهد الباكر: لو كانت تصفية حسابات، لماذا لم يصفّوا حساباتهم معي؟، وأنا أقول دعونا نتكلم بواقعيّة، فهذه الجلسات النقدية لو حُرمنا منها سندور في حلقة مفرغة ولن تقوم لنا قائمة، وجميع الملاحظات التي قيلت عن العروض غالبيتها كانت صحيحة تمامًا، والمفترض ألا نغضب ممن ينتقد أعمالنا ويقدّم لنا عيوبنا، وأنا أقول إن جميع المدعوين في المهرجان هم من أهل الاختصاص ولا يمكن أن نقلل من قدرهم لأنهم يقدّمون لنا ملاحظات وسلبيات لو تجنبناها سنخطو خطوات هامة نحو المنافسة في عالم المسرح، ويجب ألا نغضب من النقد فقد شاهدنا في المهرجان الأخير أكبر نسبة مصداقيّة بين النقاد والحضور وجميع ملاحظاتهم توافقت مع الجمهور وآرائهم.

 

ولو قلنا إن هناك ضعاف النفوس ويمكن توجيههم في الندوات فهؤلاء قلة ولكن الغالبية ممن حضروا كانوا صادقين، ولا ننسى أن الندوات التطبيقية عبارة عن نقد انطباعي لأنها تعقب العرض مباشرة ولا يمكن أن نقول إنها قراءة متكاملة للعرض لأن الوقت لم يسمح لهم بتكوين قراءة متكاملة، بما في ذلك المُعقب الذي يقدّم قراءة للنص وليس قراءة للعرض وللأسف المُتلقي لا يحتاج قراءة للنص إنما قراءة للعرض، وما نشاهده تحليل نص وليس تحليل عرض، وأتمنّى ألا يتم تداول الكلام الذي يقال بأن الأمر لتصفية الحسابات وما إلى ذلك، فأنا غالبية النقاد لم يكونوا يعرفونني ولكنهم كانوا يُعقبون على عملي ويرونني من خلال عملي، ولا يصحّ أن يتم تقديم عمل غير جيّد ونطالب النقاد بأن يقولوا كلامًا إيجابيًا عن هذا العمل، ولا يمكن لناقد أن يشوّه عملاً جيدًا!.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى