النسيان يُهدّد الثقافة الأمازيغية في تونس

الجسرة الثقافية الالكترونية
*صالح سويسي
المصدر: الحياة
إحتفل عدد من التونسيين بحلول السنة الأمازيغية 2965. ويسعى كثيرون لترسيخ الثقافة الأمازيغية في تونس بعد عقود من التهميش واللامبالاة عبر سياسات ممنهجة أدت إلى إقصاء تلك الحضارة لغة وثقافة وتراثاً، كما يؤكد كثير من المتحمّسين لها.
فعدد الناطقين بها في حدود 500 ألف وهم في تناقص متواصل في ظل غياب مدارس ومؤسسات تُعنى بها وسياسة وطنية لحماية هذه اللغة، فتقرّ الحكومة التونسية مثلاً تدريس التركية والفارسية وحتى الصينية فيما لا تقرُّ تدريس الأمازيغية، كما رُفض تأسيس مركز ثقافي للغة الأمازيغية بقرار من حكومة الترويكا، كما تؤكد الناشطة الشابّة مها جويني التي قالت أيضا إن رفض مطلب دمجها في أقسام التراث بالجامعات التونسية رُفض لأن الطالب يحتاج إلى فهم اللغة الأمازيغية لشرح معاني أسماء المدن ومعاني الوشم والرسوم.
وتؤكد جويني، عضو الكونغرس العالمي للأمازيغ، أنّ ملامح الثقافة الأمازيغية متعددة ومتنوعة ويصعب حصرها وتعدادها. وتوضح: «تمازيغت حاضرة منذ القدم، فهي من هذه الأرض ولم يستوردها أجدادنا من بلاد أخرى، هي الساكنة في مفردات اللهجة التونسية. لهجتنا تنطق بالامازيغية في كلمات كثيرة نستعملها بشكل يومي مثل علوش، بركوس، فروخ، برنوس، عنكوش… وكثر من مدننا أسماؤها أمازيغية أيضا مثل «زغوان» التي تعني مجموعة من الغرب، أو «تطاوين» وتعني العيون، أو «شننّي» والتي تعني كُلْ وَ نَمْ ، وحتى اِسم العاصمة تونس «تينسا» القديم ومعناها مفتاح بلاد إفريقيا».
وتضيف جويني: «هناك أغانينا، ألحاننا التي تشدو بموسيقى الأجداد، الموال التونسي الجبلي المنفرد عن غيره، اللباس التقليدي، الوشم ذو الرموز العديدة وأولها إسم القبيلة وإسم الجهة، والوشم هو أحد حروف الأبجدية الأمازيغية، وشم الحرائر ووشم الجدات…».
ولكن إلى أي مدى يمكن الحديث عن حضور الثقافة والحضارة الأمازيغية عموماً في الذاكرة الجماعية التونسية؟ تجيب الناشطة: «الذاكرة التونسية هي ذاكرة أمازيغية الأصل وهي الذاكرة المتشبعة بقصص النساء الثائرات الحاميات لقبائلهم، ذاكرة يتجلّى فيها تأثير الحضارة الأمازيغية الأمومية، فالأمازيغي ينتسب إلى أمّه ويقول في كلامه: «ايثما أيوما» أي اِبن أمي، و»لتما» بمعنى اِبنة أمي. التاريخ والأمثال أيضاً مرتبطة دائما بالأم وبالنساء وهي صنيعة أمازيغية و ليس أمراً جديداً على أرضنا».
وتزيد: «الذاكرة تروي بطولات جلاص ضد البايبات، وتروي بطولات ماجر وعيّار والعالية مكثر والدويرات وتمزرت وجربة، وحكايات أولياء الله الصالحين… هذه العروش هي قبائل أمازيغية وهذه المدن الملهمة هي مدن أمازيغية صرفة تنطق إلى الآن باللسان الأمازيغي وفيها جذور الفرسان الأمازيغ «ايمازغن امناين»».
وعن السعي لطمس ملامح هذه الثقافة وكيف كان ذلك، وكيف سعى أمازيغ تونس إلى الحفاظ عليها والعمل ودعم حضورها في البلاد وخارجها، تقول جويني: «إن ما حصل كان خيارات سياسية غير صائبة، أقصد السياسات الثقافية التي عرفتها تونس منذ الاِستقلال، تلك السياسة التي همشت الأرياف والجبال في مقابل الاهتمام بالمركزية. وبالتالي لم تنل القرى الجبلية الأمازيغية الاهتمام والتدوين لذلك الموروث».
وتضيف: «قال الرئيس الحبيب بورقيبة أواخر الستينات ما معناه من يريد أن يتحدث الشلحة فليذهب إلى الجزائر، ومن خلال هذا التصريح بدأ منع تداول اللغة الأمازيغية على أساس أنها «شلحة»، وكلمة شلحة تعني الهمجية والإحتقار. و بالتالي راح عدد الناطقين يتناقص، كما رُفض طلب تأسيس جميعات للغة والتراث الأمازيغيين، فضلاً عن ملاحقة مجموعة «ايمازغن» الفنية ومنعها من الغناء».
وفي كل الحالات ما زالت الثقافة الأمازيغية مجهولة في جوانب كثيرة منها لدى غالبية التونسيين، وتنتظر تحركات أكبر ومساعي أكثر لكي تصبح جزءاً حقيقياً من المشهد الثقافي والفنّي التونسي.