«الوجع الأبيض» للشاعر مجدي الحجار

يواصل الشاعر اللبناني مجدي الحجار في ديوانه الجديد «الوجع الأبيض» (دار النهضة العربية 2017) خوض غمار القصيدة التفعيلية سالكاً مسار الشعراء الرواد الذين أعلنوا ثورة الشعر الحر والشعراء الذين أعقـــبوهم مطورين شكل هذه القصيدة وبنيتها الإيقاعية. وبدا الحجار واحداً من الذين أضفوا لمستهم الخاصة على القصيدة التفعيلية مستفيداً من نزعته الكلاسيكية التي تبدو بيّنة في بعض القــصائد العمودية التي تضمنها الديوان الجديد والديوانان السابقان وهما «حطام القصيدة» (2007) و«وجهك وجهتي» (2015)، على أن شعره الكلاسيكي بعيد أصلاً من التصنع والكلفة ومغرق في جمالياته وأبعاده الوجدانية. فهو في قصائده العمودية يسعى إلى تحرير اللغة من تقعرها وجمودها اللذين أوقعها فيهما النظام الخالي من الروح والشفافية، معتمداً طلاوة التعبير الشعري والحذاقة، كأن يكتب في قصيدة «زنبقة الصدى»: «أحلى من الشعر في ديوان أندلسِ / أغوى من العود يغري الخصر بالميسِ/ أصداء صوتك بالجدران عالقة / تكاد تقفز بين السمع والهجَسِ/ كأنّ صوتك ضوء لا يبارحها / كان وجهي مرايا الصوت فانعكسي»…
تفيض قصائد الحجار حنيناً وجوى، حباً وشجناً، شوقاً ومكابدة، فاللحظة الشعرية هي لحظة بوح عميق وتأمل وانعتاق، لا سيما عندما يتوجه إلى المرأة الحبيبة التي تحضر بروحها، بجمالها المشرق، وفي هذا السياق، لا يكتب الحجار قصائد غزل بالمعنى التقليدي للغزل، بل يغوص في وجدان الحب مرتقياً به إلى مصاف العشق الروحاني. لكن هذا المنحى لا ينفي أن الشاعر لا يختبر مشاعر الحب وحضور الحبيبة كامرأة واقعية، أو حقيقية، وليست من صنع الخيال. يقول الشاعر: «عانقيني إذا انكسرت / هذه الأرض بين يديّ/ وفاضت من الروح انهارها…/ فوق اي الكواكب القي / بأحمال هذا الجسد؟/ فتح الشوق ابواب قلبي/ على الخوف وانغلقت/ كفّ هذا الزمان الثقيل/ كأحجية…». ويمعن الشاعر أحيانا في تجربة الحب مشبعاً إياه بالرمزية والبعد الصوفي، فالحب هو من خلجات القلب والروح والجسد في آن واحد. ويقول في قصيدته الجميلة «حرفان»: «حرفان هما/ ظل الكاف وظل النون/ على جسد الأنثى/ والخالق ينفخ روحا في الطين/ يا حاء ترفق بالباء قليلاً/ جسدي اوهى / من نثرة ريش طائرة/ تتقاذفها في فلك النشوة/ اسرار التكوين».
إلا أن الشاعر لا يقصر صنيعه على شعر الحب أو المرأة مع أن الحب لديه هو منفذ إلى آفاق أرحب، فهو يكتب أيضا شعراً وجدانياً مشبعاً بالرومنطيقية والرمزية والعرفانية، ومن خلاله يخاطب الكون والزمن ويقف على عتبة الوجود، متأملاً في معطيات الحياة وما وراءها.
ولئن بدا الشاعر يكتب على حدة بعيداً من منابر الشعر الراهن ومن ضوضاء الإعلام فهو في عزلته النبيلة إنما ينصرف إلى الشعر، فعل حياة وكتابة. يقول في قصيدة «الضباب»: «الضباب / دهشة الروح من نفسها / تتلمس شكلاً لها/ في مرايا الهواء/ تطيل التأمل/ في كنهها المتدثر بالماء والضوء / تصعد من وهدة يتأسن فيها اليقين/ إلى قمم شاهقات/ يجللها الثلج والارتياب.
(الحياة)