(الوعي الأخلاقي ودوره في الإصلاح الديني) لبرهومة.. مقاربات الإيمان والمعرفة

الجسرة الثقافية الالكترونية –

صدر للكاتب محمد برهومة كتاب جديد عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» بعنوان» الوعي الأخلاقي ودوره في الإصلاح الديني»، ضمن سلسلة «دراسات استراتيجية» التي يصدرها المركز، وهي سلسلة محكّمة علمياَ.
في كتابه الجديد يشتغل برهومة على فكرة رئيسة تذهب إلى القول إن فكرة الإصلاح الأخلاقي تسعى إلى منع اصطدام الدين بالحرية أو تكبيل المعرفة. وهو يعتقد أنه لا يكتمل جهد أو مشروع للنهضة والتنوير والإصلاح الديني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، عموماً، من دون الاشتغال على فكرة إصلاح المُثُل والقيم الدينية، وتقديم جهود نظرية وفلسفية متماسكة علمياً في ما يخصّ طبيعة العلاقة بين الدين والأخلاق، بالبناء على أفكار وجهود متناثرة في التراث العربي والإسلامي، لكن لم يُصر إلى نقد تلك الأفكار والجهود وتفكيكها وتنظيمها وتطويرها وتأطيرها في سياق بلورة «علم أخلاق» في الحضارة العربية. يلفت برهومة النظر إلى أن ذلك كان متاحاً في القرون الذهبية من الحضارة الإسلامية، خاصة في الفترة ما بين القرنين الثاني والخامس الهجريين، لكن النكوص الحضاري الذي بدأ مع عصور الانحطاط حال دون بلورة هذا المشروع الحضاري الكبير.
الأسئلة الأساسية التي تدور حولها الكتاب تتركز في الاستفهام عن مدى أهمية التمايز بين دائرتي الأخلاق والدين، والدور الذي يلعبه الوعي الأخلاقي في مسألة الإصلاح الديني، معرجاً إلى مناقشة العلاقة ما بين الطقوس والشعائر من جهة والأخلاق من جهة ثانية، وصولاً إلى التساؤل حول أهمية إصلاح المُثُل والقيم الدينية. وتأتي هذه الدراسة في وقت سياسي تكاد فيه تيارات السلفية الجهادية تختطف البعد الإنساني والأخلاقي والحضاري للإسلام، ومن هنا تركّز الدراسة على القول إنّ تهميش موقع الأخلاق الإنسانية في حقلي العقيدة والشريعة بالصورة التي يقدمهما التفكير الديني السلفي وأصحاب الأيديولوجيات الدينية من شأنه تسويغ ما هو لاأخلاقي باسم الدين؛ حين يتحوّل إلى أيديولوجيا، وحين يتم تأويل النصوص والتعاليم الدينية تأويلاً متشدداً ـ يتصادم مع حاجات الناس ومصالحهم ومكتسباتهم الإنسانية والحقوقية ـ كما قدمته وتقدمه تجارب الإسلام السياسي والسلفيات المتشددة في أكثر من بلد عربي أو إسلامي؛ حيث يكاد يضمُر في هذه التجارب البعد الأخلاقي والإنساني والحضاري في الإسلام.
وتفترض الدراسة أن الإصلاح الأخلاقي والقول بتمايز دائرتي الأخلاق والدين من شأنه الإسهام في معالجة مشكلات أدلجة الدين في المجتمعات العربية والمسلمة، خاصة وأن الأدلجة هي في جزء منها تغييب للمنظومة القيمية والأخلاقية، وإقامة الحواجز أمام فرص عدم اصطدام الديني بالإنساني، وبالتالي سحب البساط والمشروعية عن أي محاولات أو قراءات فردية أو جماعية توظّف الدين في تسويغ التعصّب أو العنف أو الانتقاص من الحريات الفردية والعامة وتهديد الِسلم الأهلي أو الإقليمي والدولي.
الدراسة تحاول التحديق النقدي في المثل والقيم الدينية وإصلاحها وإعادة هيكلتها ووضع الوعي الأخلاقي والمسألة الأخلاقية في سياقها التطبيقي الملائم، من خلال تعريضها لاعتبارات الثقافة الحقوقية والحريات الخاصة والعامة، كما جاءت في المواثيق الدولية والوعي الإنساني الذي استقر في زمننا لجهة مركزية الإنسان واستقلاله، وربط ذلك بمسألة السلطة والحكم وإدارة الشأن العام، وصولاً إلى تأسيس فكرة الإيمان على أنها علاقة طردية مع المعرفة الإنسانية والعلم والثقافة والحرية، وليست علاقة عكسية مع ذلك كله.

#الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى