انتظارات شوقي شمعون

الجسرة الثقافية الالكترونية
*محمد عمران
يقترح التشكيلي اللبناني شوقي شمعون، على زائري معرضه “سلام في الانتظار”، مفهوم الانتظار في بعد مختلف. المعرض المستمر في “غاليري مارك هاشم” في بيروت حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، يضم أعمال شمعون الأخيرة، التي تعكس تأملاته الشعرية في الطبيعة بوصفها أماكن حميمية في الذاكرة.
هكذا، يدعونا شمعون، عبر مشهديات متنوعة لجبال صنين الثلجية والمناظر الطبيعية الصحراوية، إلى دخول زمنه الخاص؛ زمن جميل “متخيل” خالٍ من العنف والحرب، لنقف، مع أشكاله البشرية المنمنمة، متأملين لون الثلج الأبيض ولون الرمال الذهبي في انتظار أبدي.
تشكّل هذه المجموعة امتداداً لموضوعه الأبرز الذي يشتغل عليه منذ تسعينيات القرن الماضي مستخدماً التقنيات والأدوات نفسها؛ إذ يغدو المنظر الطبيعي المتعدد الاحتمالات (الجبال الجرداء، الصحراء، البحيرة، المدينة) ذريعة “تشكيلية” ينقلنا عن طريقها من تصورات انطباعية إلى عوالم أسطورية.
ينسج شمعون (1942) عالمه الأسطوري من التشابك الناشئ عن الخطوط البسيطة وواضحة المعالم التي تكوّن مفردات المنظر الطبيعي الخاص لديه، كما في عمله “كم هو جميل أن تعيد الطفولة ابتكار السلام”، وعن خطوط عريضة تنتجها ضربات فرشاة كبيرة تنمّ عن سيطرة تقنية واضحة على فضاء اللوحة الواسع كلوحته “اللعب مع الأحرف”.
ويبدو فضاء هذه اللوحة مختلفاً عن باقي المجموعة، حيث يستبدل مفردات “المنظر الطبيعي” بضربات عريضة من اللون الأسود الشفاف، وتحيط بتلك التشكيلات الاعتباطية الناتجة نقاط مضيئة حمراء وصفراء، وأحياناً زرقاء.
حضور عنصر “الإنسان” ضمن تلك التأليفات التجريدية، بوصفه منمنمة صغيرة تصطف في نسق محدد أسفل اللوحة، يجعلنا نفكر بضآلة تكويننا كبشر أمام حضور الطبيعة الطاغي. كأن الفنان يتآمر مع قدراته التقنية في تمثيل الطبيعة ليكشف عن هشاشتنا. توحي تلك الأرتال البشرية، من طريقة اصطفافها، بأنها في حالة تأمل جامدة تنتظر حدوث أمر مختلف قد ينقلها إلى حالة انتظار أخرى.
بدأت تلك الكائنات المتناهية في الصغر بالتسلل إلى عوالم شمعون نهاية التسعينيات، حين كان الأمر في البداية مجرد مفردات مكمّلةً تبدو أقرب، أحياناً، للموتيفات التزيينية، كما في عمل “العودة إلى البحيرة”، لتتحول تدريجياً مع الوقت إلى عناصر أساسية في العمل. هي أشبه بتنويعات إيقاعية أفقية تضفي على اللوحة نوعاً من السحرية كما أنها أصبحت بمثابة توقيع الفنان الشخصي، الذي كان يرسم، في طفولته، على جدران قريته البقاعية. مع الوقت، تعمقت رغبته في أن يصبح رساماً.
انتسب إلى “المعهد العالي للفنون الجميلة” في “الجامعة اللبنانية” ليدرس الفن. ورغم أن أعماله الأولى كانت واقعية، إذ رسم البورتريه والطبيعة الصامتة كتمارين أكاديمية، إلا أنها حملت إرهاصات حداثوية ستظهر في أعماله اللاحقة. سافر شمعون بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية متابعاً دراسته هناك، ليحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من “جامعة سيراكيوز” في نيويورك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العربي الجديد