باحث سعودي يقرأ شعرية الفضاء العراقي

الجسرة الثقافية الالكترونية-الحياة-
لاحظ الباحث السعودي عبدالسلام السيف أن الشاعر العراقي يحيى السماوي يستدعي فضاءات ثابتة من وطنه تعبّر عن هويته كالشرفة والخيمة، كما يستدعي فضاءات ثابتة من حاضره كالمنفى. وتناول الباحث الفضاء لدى السماوي، وتوقف عند ما أسماه بالفضاءات المتحركة، ومنها فضاءات مائية كالنهر والبحر والينابيع، وفضاءات عبور وحدود كالجسر والرصيف والسور والباب، مشيراً إلى أن الشاعر يستخدم الفضاءات المائية للتعبير عن تحولها من رمز للحياة والتجدد إلى رمز للبشاعة والموت، وأنه يستخدم فضاءات العبور والحدود للهرب من واقعه، وأنه يسكن في هذه الفضاءات في انتظار فرصة يمنحها له الزمن للعبور إلى وطنه.
وتطرق الباحث، في بحث بعنوان: «شعرية الفضاء عند يحيى السماوي.. ديوان قليلك لا كثيرهن أنموذجاً» نال بموجبه درجة الماجستير بامتياز مرتفع مع مرتبة الشرف، من كلية اللغة العربية في جامعة الإمام، إلى الفضاءات الجافة واستعمال الشاعر لها للتعبير عن جفاف أحلامه من جهة، وعن تفاؤله لتغير حال هذه الفضاءات إلى الخصوبة، وهو عنوان المبحث الرابع، إذ استخدم الشاعر، كما يقول الباحث، الفضاءات الجافة في تذكّر موطنه العراق، وتصوير ما حلّ بهذه الفضاءات من دمار وحرق وتخريب، ومن أمثلتها الينابيع والبساتين وواحات النخيل والمراعي. وفي المبحث الخامس تحدث السيف عن فضاءات الوحدة، إذ استخدمها الشاعر للهرب من الواقع وللتعبير عن الضياع.
وعالج في بحث بعنوان: «دلالات الفضاء الشعري»، ثنائيات وأزواج ناظمة متقاطبة، وكان أولها الواقع والحلم، «إذ استخدم الشاعر الفضاءات لتصوير الصراع الذي يعيشه بين أحلامه وواقعه، ونقل أحياناً أحلامه إلى الواقع فيحياها كما لو كانت حقيقة، لكن واقعه الموحش دائماً يخترق عليه أحلامه فيحرقها ويعبث بها». وركز المبحث الثاني على تناول الشاعر لثنائية الصوت والصمت، إذ يعرض الفضاءات التي استعملها الشاعر للتعبير عنها، فيستعمل الصوت للتعبير عن السعادة، ويستخدم الصمت للتعبير عن التعاسة، ومنها أن الشاعر استخدم دلالات فصول السنة في مقابل ثنائية الصوت والصمت، فجعل الصيف ومواويله والشتاء وهمسه والربيع واحتفالاته في مقابل الصوت، والخريف وتعبيره عن الموت في مقابل الصمت. وكان المبحث الثالث عن دلالة الفضاء على أنواع الأزمة المُعاشة من خلال ثنائية الماضي والحاضر، فيعقد مقارنة بينهما، ويبني حولهما صوراً مختلفة، وينشئ استعارات متنوعة، فيستخدم على طول الصور التي يوظّف فيها الثنائية الماضي إزاء السعادة والحاضر في مقابل التعاسة. وفي المبحث الرابع يتناول السيف ثنائية المقدّس والمدّنس، التي خلص منها إلى أن الشاعر استخدم رموزاً مقدسة ورموزاً مدنسة بالمعنى العام لمفهوم المقدّس والمدّنس، أي أن كل جميل في العالم الأمثل يمثل المقدّس، كما أن كل سيئ في منظور هذا العالم يمثل المدنس.
واستعمل الباحث «المنهج الموضوعاتي» أو «الثيماتي»، لافتاً إلى أن أحد أكبر فرسان هذا المنهج الفرنسي غاستون باشلار، الذي انتقل من فلسفة العلم إلى مجال التحليل النفسي للمادة. وقسم السيف بحثه إلى مقدمة وتمهيد وفصلين، شمل التمهيد فضلاً عن التعريف بالشاعر تعريفاً موجزاً عن المنهج الموضوعاتي، ثم مفهوم الفضاء في الدراسات الموضوعاتية في الدراسات الأوروبية والعربية، وعرض السيف فيه للاختلاف في استعمال مصطلحي الفضاء والمكان في الخطابين الأوروبي والعربي، وما نتج من ذلك من اختلاف في وجهات النظر، فعرض للنقاد الأوروبيين أمثال فيزي قيلز وكولد نشتين وهيدغر وغوتفيرد لايبنيتز وميشيل بوتور ويوري لوتمان وغيرهم، ثم عرض على المستوى العربي آراء النقاد، فتحدث عن الأسباب التي جعلت الخطاب العربي يستعمل مصطلح المكان في المقاربات النقدية وليس الفضاء إلا أخيراً. ثم عرض السيف آراء مجموعة من النقاد العرب، أمثال صالح بن الهادي رمضان ومحمد بنيس وفتحية كحلوش وحميد لحمداني وعائشة الحكمي وفيصل الأحمر ومحمد عزام وحسن نجمي وعبدالملك مرتاض وغيرهم، ثم عرّج على التقاطبات الفضائية مثل العلو والانخفاض، والانفتاح والانغلاق، والضيق والاتساع وغيرها، وعرض لعلاقة الأبعاد الزمانية بالمكان، وكيف نقل النقاد العرب مصطلح الزمكانية من اللغات الأوروبية.