باحث مصري: بعد قراءة صلاح جاهين تصبح الأشياء لها شكل آخر

الجسرة الثقافية الالكترونية

*محمد الحمامصي

 

أكد الباحث د. حسن يوسف طه في كتابه “جماليات الإبداع عند صلاح جاهين” الصادر أخيرا عن سلسلة “كتاب الهلال” أن قدرة جاهين في تمكنه من أن يجعل الكلمات تخاطب العقل والقلب ولذلك فإن الحكمة عند جاهلين تمتلك القدرة على التحرك والتشكيل والتألق، وأضاف “إن كلمات جاهين تكتسب الحرية وترفض الانغلاق والقيد. البنائية الكلامية عند جاهين تحرر الكلمات من قيودها وأسرها لتشي بالكثير من مكنوناتها المختفية أو المخبوءة. الكلمات تأخذ صورة جديدة عند جاهين غير التي اعتدنا عليها سابقا. ومعنى ذلك أن جاهين تمكن ببراعة من هتك الأستار الحاجبة لأسرار اللغة لكي يصل إلى لب وجوهر اللغة، إنه الوصول إلى الكنز المخبوء والمليء بالأسرار”.

 

الكتاب المكوّن من استهلال ومقدمة وثلاثة فصول وخاتمة هو بمثابة رحلة استكشافية وبحثية في أعماق شعر صلاح جاهين رؤاه وأفكاره وإنسانيته وما تجلى فيه من جمال فني ووطنية عميقة الدلالة وفلسفة، “يقولون في الفلسفة إن الفيلسوف لديه القدرة على أن يرينا الأشياء أو يرينا المرئي، أو يرينا ما لا نراه في المرئي تلك هي مهمة الفيلسوف ومن ثم فإن الانسان مع تلك الرؤية يندهش ويتعجب لذلك الأمر، وهذا الأمر نجده عند صلاح جاهين فهو قادر على أن يرينا الأشياء بشكل جديد أو يرينا ما لم نكن نراه.

 

بعد قراءة جاهين تصبح الأشياء لها لون آخر أو شكل آخر. لقد تم إعادة الاكتشاف وإعادة الصياغة وتلك هي القيمة وذلك هو الابداع الذي امتلكه صلاح جاهين”.

 

ولفت د. حسن طه إلى أن جاهين كان بارعا في تسكعه سواء على المستوى الحسي أو على المستوى العقلي، أن تتسكع في الشوارع والحواري والأزقة ثم تحول كل ذلك إلى لقطة فنية مبهرة، هنا نقول إن التسكع جيد ومفيد، لكن جاهين كان لديه قدرة على التسكع في الخيال ليربط الاشياء التي لا تلتقي مع بعضها البعض، كانت قدرته التخيلية قوية ولكن كان قادرا في ذلك التسكع في الخيال على أن يلتقط الجوهري ليودعه في فنه ليخرج لنا بشكل مبهر بكل المقاييس.

 

وتوقف الباحث مع رباعيات جاهين مؤكدا أنه في الرباعيات تدخل إليها بعقلك ووجدانك وما تلبث أن يلفك الدوار سواء الدوار العقلي أو الدوار الوجداني، هو جامع بين المتضادات، أنت حائر ما الذي يود أن يقوله وما الذي يقنعه. أقانع هو أم متمرد؟ أسعيد أم حزين؟ حيرة تلفك وتأبى أن تتركك، لكن الواضح الجلي هو أنك تخرج بعد قراءتها بدرجة غريبة من السعادة والنشوة، أنت لا تدري من أين أتت. من نبرة الحزن أم من نبرة الفرح، لماذا قال ولماذا كتب، وما الحل في أسئلة لا تحل؟ ما الموقف من لحظات التعجب والاندهاش، إنها حالة خاصة تعتريك بدخولك لرباعيات جاهين؟”.

 

وحلل الباحث العمل الشهير لجاهين أوبريت “الليلة الكبيرة” حيث رأى أنه من الملامح التي ينبغي الالتفات إليها والتركيز عليها في هذا العمل هي قدرة جاهين المسرحية على توسيع وتحريك القدرة التحليلية عند الطفل، فالخيال قدرة يمكن تنميتها عند الأطفال وهي قدرة تساعد على الابتكار والابداع.

 

وقال “إن أوبريت الليلة الكبيرة يعد عملا مسرحيا فذا بكل المقاييس، ففي هذا العمل نلاحظ عناصر التكوين تمكنت من إحداث التأثير الجمالي المطلوب، نجد مثلا عناصر التكوين، التتابع، التوازن، كل تلك العناصر تضافرت بشكل بارع لايصال الهدف المنشود من العمل الفني، فتلك العناصر لا تعمل بشكل عشوائي أو مرتجل وإنما وفق رؤية واضحة في ذهن المخرج المنفذ لهذا العمل. وتحقيق الجمال على خشبة المسرح وإمتاع المشاهد هو ليس بالعملية السهلة أو الميسورة والبسيطة بل هي عملية شاقة ومعقدة”.

 

وفي الختام قال الباحث إن جاهين كان في مجال الاغنية مجددا بارزا لا شك في ذلك حيث استخدم الأغنية في تعميق وتوصيل وغرس قيم تساهم في تغيير وتطوير الواقع المعاش، لم تكن مجرد الأغنية مجرد تسخين جماهيري أو إلهاب حماس الجماهير، لم تكن مجرد شعارات تقال لزوم الظرف الذي يراد، وإنما كانت بمثابة قيم ومبادئ أراد لها البقاء وأراد بها التفعيل، كانت المباديء والقيم في الأغنية تهدف إلى تثوير الجماهير وإلى حثها على العمل والنضال والمشاركة عن قناعة وإيمان، هنا تتضح قيمة الفن في قيادة الجماهير.

 

وأكد على أن الرباعيات في مجملها تعد إنسانية من الدرجة الأولى، هي لحظات إنسانية أو هي جوهر الإنسانية وما فعله جاهين يكمن في تلك القدرة العالية على استنباط الجوانب الإنسانية والتعبير عنها في ألفاظ تأتي على غير توقع وعلى درجة عالية من الدهشة والغرابة.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى