بالحب ابدأي لتنتصري لحقك (الى هيا)

الجسرة الثقافية الالكترونية
*رنا نجار
المصدر: الحياة
ليس مهماً لي من سيربحُ الحرب. لطالما ناديتُ بإيقاف كل الحروبِ وإنقاذِ الضحايا. لطالما ناديت ضد القتل وإراقة الدماء والتعذيب الجسدي والنفسي. لطالما ناديت بالعدالة الاجتماعية وإنصاف الحق. ليس مهماً ولا يعني لي شيئاً أن أخسرَ حرباً بعتادها وعديدها، كي أنقذ روح شخص واحد وحياته. فماذا لو كان هذا الشخص هو ابنتي التي انتظرتُ عمراً لأحملها بين يديّ ويتحقّق حلمي بسماعِ صراخها الذي يُنبئ بحياةٍ جديدةٍ ونبضٍ جديدٍ وجسدٍ جديدٍ وضحكاتٍ تملأ أذنيّ.
لطالما حلمتُ بضمِّ طفلٍ بدمائه و«زفته الأسود» في حضني وأنا مستلقية على سرير في غرفة مستشفى، بعد مخاضٍ مريرٍ من الوجعِ الحليمِ الودودِ كالعاصفةِ التي تنبئ بالفرج.
كيف لا أنقذ شعور تلك الصغيرة التي كانت ثمرة حب توقفت دقاته بعد أربع سنوات من الشغف الذي تحول بسحر ساحرة في بلاد بعيدة، الى كره ومعاداة وضغينة وتحديات وشروط تعجيزية تفرضها ذكورية عمياء وجشع. كل تلك العناصر المعنوية التي تستخدم في الحروب عادة، لتدمير نفسية الطرف الآخر، جعلت مني امرأة أكثر قوة وأكثر إيماناً بالحب وأكثر إصراراً على بناء بيتي ولو بعيدان من كبريت. كل تلك الحرب النفسية التي تفرضها ذكورية مجتمعي وتخلّفه ونظراته الحارقة إلى أم عزباء، تجعلني أرى أعواد الكبريت أعمدة حديدية لا تلين.
كلها تؤكد لي ولابنتي ولكل امرأة مرّت في هذا المكان حيث تحرق في النار العقود والاتفاقات العادلة، ولا ينظر بالعدل إلا بعين واحدة تعاني من ضعف في النظر، ذلك يؤكد أن مثيلاتنا من النساء عليهن الصمود والحد من التطاول على حقّهن.
كل تلك الحروب لا تعني شيئاً، مقابل أن تكون ابنتي ومثيلاتها من البنات، ينمنَ في سرير دافئ مفعم بالحب والطمأنينة من دون أن تتبلّل وسائدهنّ بالدموع. مثل تلك الانتصارات والميداليات والأموال التي يبيع الناس أجسادهم وضمائرهم وأوطانهم لأجلها، لا تعني لي شيئاً إن عانت ابنتي أي أزمة نفسية أو كبرت وفي نفسها طموح بقتل أحدهم انتقاماً أو برفضها كلّ من خطّ له شاربان.
كل تلك التجارب والحكايات الذكورية وقصص الانفصال وملحميات التحدي الفارغة لا تعني لي شيئاً، لأنني أثق بنفسي وبحواري وما لديّ من براهين ودلالات، كلها تؤكد لي أن الحب هو الذي ينقذ كل أطفال العالم من العنف والوحشية والتشرّد والاضطرابات النفسية، وبالتالي الحب هو المسؤول عن نجاحاتهم وإنتاجاتهم. ذاك الحب الذي منحتني إياه عائلتي الكبيرة وأهلي، هو الذي يجعلني الآن أكتب هذه الكلمات بحب.
هذا السحر الذي أرضعته لابنتي من صدري ٩ أشهر، كما فعلت أمي لأربع سنوات، هو الذي أريده لهيا أن تتسلح به أولاً وقبل كل شيء. هذا الحب سيصالحها مع نفسها ومع من أساؤوا إليها. هو تلك المعجونة الليّنة التي تبلّل الجفاف وتذيب الجليد، وتهدم الحواجز التي تبنيها عقول المتحجّرين الذين يكرهون أنفسهم قبل الآخرين. الحب يا هيا يجب أن يكون سلاحك كي تستمري في هذه الحياة القاسية والجميلة. لكن بعد الحب، يأتي الحقّ والعدالة والمطالبة بإقرارهما، لكي ينموَ الحبّ في داخلك وتتمكني من العيش بحرية وكرامة. الحب سيكون حليفك لو انتُزع حقك أو انتهكت كرامتك أو كبّلت فردانيتك لمصلحة الجماعة. بالحب ستحلّين مشكلاتك كافة.
لا تنظري إلى القضايا الكبرى المتشعبة التي لا أنا ولا أنت، يمكننا الانتصار لها وحلّها ولو بقينا نناضل لسبع حيوات. انظري إلى البقعة التي تقفين عليها أنت كامرأة، وابدأي من هنا. ابدأي من حقك بحياة كريمة وعيشة هانئة وتعليم راقٍ وطبابةٍ إنسانيةٍ. ابدأي من غرفتك وبيتك ومدرستك وجامعتك ومن مكان عملك وعائلتك التي ستكوّنينها بحب. ابدأي يا هيا بالحبّ لاهتماماتك الصغيرة وفرديّتك.
ابدأي بحبك لنفسك ولا تضيّّّّعي وقتك بالنضال من أجل القضايا الكبرى. ابدأي بالتغيير من نفسك ولا تتخلّي أبداً عن أنوثتك وأنثويتك، بل كوني متعصّبة لنسويّتك وابدأي النضال من هنا. عندما لا تتركْ كلّ امرأة حقها، لن نكون في حاجة إلى كل تلك الجمعيات والتمويل والمجتمع المدني لتنادي بحقوق النساء.
وتذكّري أن بالحبّ تحلّ كل الأمور وليس بـ «تكبير الرأس». كل التحديّات يا هيا لا تساوي لحظة بقربك وأنتِ تبتسمين». كلّ الحروبِ يا هيا لن تساوي لك شيئاً إذا فقدتِ الحبّ. لذا أنا سأحبّك إلى ما لا نهاية. للأسف لم أنجبْ لك أخاً او أختاً لتعرفي معنى هذا الحبّ الذي لا يعوّض، لكن لا بأس سأكون أماً وأباً وأختاً وأخاً، وصديقة وكلّ ما تحتاجين، لأن في قلبي الكثيرَ الكثيرَ من الحبّ الذي لا ينضب.