بترا حاوي مع الفرقة.. ارتجالات يومية

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
على شاشة، مشاهد من تمارين غنائية أجرتها فرقة موسيقية شبابية، تقدمتهـم المغنـية الشابة بترا حـاوي. في التـمارين، تلك الروح الساخرة التي جمعت الفرقة، وذلك الضحك الخفيف الذي يعين على ما يبدو، على تقديم عمل جدّي كالذي حضرناه على خشبة «مسرح المدينة» ليل الجمعة 27 حزيران في الثامنة والنصف تماماً.
المسرح إذن، بخلفية شاشة سينمائية عريضة، شغلته فرقة «فرقت ع نوطه» التي جمعت المغنية الشابة بترا حاوي بلباس مستوحى من ستينيات القرن الماضي لشهيرات مغنيات الجاز في ذلك الوقت، مع الموسيقيين الشباب: وجدي أبو دياب على آلته «البيانو»، وزاهر حمد على «الباص غيتار» وعلي صباح «غيتار» وراغد جريديني «آلتو ساكسفون» وأيمن سليمان (البانغو) وجهاد زغيب «cymbats».
من أجواء الشباب الموسيقيين كما جاء في كلماتهم المدوّنة على «الألبوم»، ما يؤشر إلى علاقتهم بالموسيقى وبالحياة أيضاً: «تعا نتشارك النفس ومن نفس القفص نهرب ونروح»، أو «في الموسيقى لا يمكنك أن تكون مطابقاً بالضرورة لموزارت» أو «تعا ما نتخطط» أو «مش بالضرورة كل شي بتعمله يعبّر عنك». هذه النظرة غير الاحترافية بالضرورة، بل المشبعة بالارتجال وباحتمالات الخطأ والصواب وبالبعد عن القالب الكمالي للأشياء، هي التي منحت سهرة بترا حاوي والفرقة، نكهتها المحببة، والمجنونة إلى حد.
بدأت المغنية حاوي بتلوينات خفيضة على «يا ليل» مع خلفية موسيقية خفيفة تصاعدت تدريجياً تماماً كصوت بترا، لتنتهي في ذلك اللعب الجازي الحر المعتمد جملة لحنية تتردد بإيقاعات متفاوتة العلو مع إعادات أوصلت ترنيمة «يا ليل» التي بدأتها حاوي إلى غايتها المطلوبة.
في جعبة حاوي لحفل «مسرح المدينة» أغنيات تأليف كلماتها جاء بمشاركة الفرقة، وهي كلمات تعبّر عن روح العصر، وتعتمد البساطة إلى حد الفجاجة أحياناً، تماماً كالعبارات التي نسمعها في حياتنا اليومية، الخالية من سخونة العواطف القديمة، والذاهبة إلى مقاصدها مباشرة: «قصة» و«مشّي معي» و«نتظارك» و«حيجاز» و«زخّات الشتي» و«اسمعني» و«مافيك» و«حاسة بالغلط»، كلها أغنيات اجتمع شباب الفرقة ومغنيتها على تأليفها، مع إضافات جاءت من الريبرتوار الكلاسيـكي القـديم من مثل موشـح: «زارني المحبـوب» وهـو الموشـح المعـروف، عزفته الفرقة بداية عزفاً أميناً للحن الأصلي، ثم تدخل التزيين «الجازي» ليصب في مزاج ورؤية الشباب إلى شغفهم بالموسيقى التي يعزفونها. بترا ميّز صوتها هدوء مكتنز، ورقة واضحة وإن وجب الاهتمام أكثر بتمارين النفس الطويل لتصل الجملة إلى خواتيمها سليمة وواضحة للجمهور، فلا تنتقص من خامة الصوت الجيدة. الموسيقى التي صاحبت هذا الموشح، كانت غير متدخلة إلا بحدود مرافـقة اقتـصر دورها على سماع الغناء، لتغادره في نهاية الموشح وتلعب الجاز بشكل منسجم مع ما يغنى.
على الشاشة، مشاهد بدت لي من الغرب الأميركي، ومن الطبيعة في شكلها البدائي، مع مشاهد تشي إجمالاً بالوحدة، والفراغ، والوحشة. هذه الخفية لعبت دوراً لطيفاً ومساعداً لكل أغنية، ما منح الغناء نوعاً من التواصل مع العالم الشاسع. بترا نوهت في فقرة من برنامجها بأن لا بأس على الموسيقي «أن يغيّر الدوزين» أو ان يسمع الجمهور «إشيا غلط» أو أشياء عادية، لكننا كمتابعين سمعنا جازاً أصلياً، عرف الانسجام اللحني الموقع. كلمات الأغاني، على ما ذكرنا، هي من يوميات عادية تتناول العلاقة الصريحة، والعبارات الصريحة المتداولة بين الشباب اليوم من دون مواربة أو تفخيم للعواطف، بل تناولها على حقيقتها والتطاول عليها أحياناً بانتقادها بشدة.
غنّت بترا أيضاً «تانغو الأمل» للمطربة الراحلة نور الهدى، و«تُرى» ذات التوقيع اللحني المناسب لمثل هذه الحـفلات، وهذه الأغنـية لعلـها الأكـثر توفيـقاً فـي الاختيار من كونها ذات طبيعة لحنية راقصة في الأساس. أغنية «اسمعني» بيّنت في الحقيقة طاقة صوت المغنية، وذكرت بأغنيات لبنانية ناجحة. الإضاءة لعبت دوراً مكـملاً وناجـحاً في متابعتها الذكية لمجرى الأغنيات وفي خفوتها وسطوعها حسب مقتضيات العرض. جرى بعد العرض «كوكتيل» وتوقيع من بترا حاوي لألبومها تحت عنوان: «فرقت ع نوطه».