بعد 37 عاما على رحيل العندليب الاسمر القارئة تتأمل فنجانه المقلوب

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -لم تكن عنده تجربة في الحب ولا زورق.. الا انه كتب رسائل كثيرة من تحت الماء فأذابت قلبه الأشواق وهو على موعد مع العذاب فتنه جمال كامل الأوصاف فأبتدأ الحكاية لقصة حب لها أكثر من بداية!! وجلس أمام مخاوف قارئة الفنجان في نهاية المطاف فتأملت فنجانه المقلوب وبصّرت ونجّمت فلم تجد فنجاناً يشبه فنجانه ولا أحزاناً تشبه أحزانه. إنه الفنان الراحل عبدالحليم حافظ الذي وافاه الأجل في 31 من آذار عام1977 في أحد مستشفيات لندن بعد معاناة طويلة مع المرض.
في مطلع السبعينات من القرن الماضي لم نكن نعرف معنى التقمص الوجداني ففي أيام المراهقة كنا نرى المشاهير أبطالاً مدهشين مثلما نرى انفسنا وندافع عنهم بكل وسيلة بما فيها العراك بالأيدي. وكان عبدالحليم من الذين استحوذوا على اذواقنا بشكل عنيف لا سيما مع بدايات وقوعنا في الحب، وكتعبير عن حبنا لأنفسنا أحببناه فحفظنا أغانيه وألصقنا صوره على كتبنا ودفاترنا المدرسية. وساعدنا ذلك الحب على الدخول الى دور السينما في وقت مبكر لنشاهده في (معبودة الجماهير) و(أبي فوق الشجرة) وكان سبباً في تلكؤ بعضنا في الدراسة. واليوم عندما نسمع صوته نطير من البهجة ونحن نتذكر أيام شبابنا بكل ما مر فيها من أحزان وأفراح ونجاح وفشل.
الغناء العاطفي
الفن الذي قدمه المطرب عبدالحليم حافظ يمثل تجربة رائعة من الصعب ان تتكرر انتقلت بالاغنية العربية الى مراحل من التطور في الغناء العاطفي الى جانب الغناء الوطني لاسيماً بعد هزيمة 1967 فأقترب عبدالحليم كثيراُ من واقع الحياة ووصل الى قلوب الجماهير بيسر وسهولة وطور الأغنية وأساليبها وكان وجوده ليس سهلاً بين عمالقة الغناء (ام كلثوم- فريد الأطرش- محرم فؤاد) وكان يخاطب الشباب في زمانه برومانسية عالية تمس الوجدان.
عاصر كبار الشعراء والملحنين الذين منحوا الموسيقى العربية جهداً كبيراً أمثال (محمد عبدالوهاب- بليغ حمدي – كمال الطويل ) وكافح العندليب لإدخال السعادة الى حياة عشاقه ومعجبيه فتربع على عرش الأغنية واعطاها الحلم فلم تصنعه الصدفة، لكنه استطاع بقوة الارادة والصبر على التحمل أن يؤدي أغانيه على المسرح في الوقت الذي كان ينزف فيه ألماً ويكابد جسور عنائه مع المرض. وقف بصلابة الفنان الواثق من نفسه ومن فنه وجمهوره الذي آزره في أشد الظروف وصفق له بحرارة وهتف باسمه يطالب بأعادة مقاطع أغانيه لمرات عديدة ويلبي ذلك بابتسامته الجميلة….
حداثة الفن والموسيقى
كانت الأغنية قبله معروفة بأنظمتها الجمالية، ولو أخذنا نموذج (أم كلثوم) فهو يمثل التوجه الكلاسيكي في الموسيقى العربية (طول الأغنية وأصالة ايقاعاتها ومقاماتها ونمطياتها)، في حين جاء عبدالحليم ليبدل بالنموذج القديم، الأغنية الشبابية ذات المساحة الزمنية المحدودة والايقاعات بتمثلات جديدة. وهذا لا يمنع طبعاً من محاكاته للنموذج القديم في بعض أغانيه الطويلة مثل (مداح القمر – زي الهوا – نبتدي منين الحكاية – موعود – رسالة من تحت الماء – يامالكاً قلبي – وقارئة الفنجان). هذا من ناحية تقنية البنية الموسيقية، أما من ناحية الامكانية الفنية الذاتية فأجاد في اختيار حركته داخل فضاء امكاناته الصوتية وأختار جمهوره ايضاً حيث قرأ ما يريد هذا الجمهور المتعطش الى التغيير والحداثة. وأخضعه الى الشرط الابداعي فضلاً عن (الكاريزما) التي حملها صوته الدافيء العميق الذي يحمل هم الانسان وقضاياه في هذا العالم. فكان صوتاً بعيد المدى رغم تواضع وسائل الاتصال الجماهيري وعدم وجود القنوات الفضائية انذاك. فنجح لانه ادرك ان الفن للحياة ورسالة يحملها في قلبه ووجدانه، فسار في مشوار المجد رغم المرض الذي لم يمهله طويلاً فأنهى حياته إنساناً لكنه ظل الى الآن فناناً ترك للأجيال القادمة تاريخاً فنياً حافلاً بالانجازات..