بلال البدور يتتبع مسارات التاريخ من خلال الشعر

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
نظمت إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة مساء أمس الأول في أكسبو محاضرة تحت عنوان “تدوين التاريخ من خلال الشعر” ألقاها بلال البدور رئيس جمعية حماية اللغة العربية، وذلك ضمن الفعالية الثقافية “رمضان الشارقة”، وقدم للمحاضرة الإعلامي محمد السويدي، وحضرها عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ومسؤولو الإدارت المختلفة في الدائرة .
واستهل البدور حديثه بالتعريف بالشعر وأهميته عند العرب، وقال إن طبيعة الحياة العربية فرضت أن يكون الشعر هو الديوان الذي يوثقون فيه كل تفاصيل حياتهم، وتواريخها، ما جعل لشعرهم على مر عصوره أهمية خاصة، وفرض حضوره في كل تفاصيل الحياة، وفي كل العلوم التي أصبحت تعتمد عليه في توثيق معلوماتها، وأشار إلى أن الشعر ليس أداة كاشفة أو كاميرا فوتغرافيه تنقل الحدث التاريخي بحيادية، بل إن الشاعر يُحمّل الحدث التاريخي أحاسيسه، ورؤيته للحوادث .
واستعرض البدور بعض القصائد التي دونت تواريخ بعينها وأصبحت مرجعاً في تلك التواريخ، كقصائد زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان، وخاصة معلقته التي وثقت جانباً من قصة حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، ويذكر زهير خلالها ما وقع من القتل والتشريد في القبيلتين، وما قام به هرم بن سنان، والحارث بن عوف من تحمل لديّات القتلى من الفريقين، ومنها يخاطبهما:
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما
تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعا
بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَد وَغَيرِها وَمَن
يَستَبِح كَنزاً مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
فَأَصبَحَ يَجري فيهُمُ مِن تِلادِكُم
مَغانِمُ شَتّى مِن إِفالِ المُزَنمِ
تحدث البدور عن الأشعار التي تروي قصص وأحداث التاريخ، ومنها الأشعار التي قيلت في السيرة الهلالية، ووثقت جوانب من تلك السيرة، خاصة القصيدة التي تنسب إلى تبع اليمن حسان، حيث تروي أساطير تلك السيرة أن كليبا تغلب على أحد ملوك التبابعة واسمه حسان، ولما هم بقتله، طلب إليه تبع أن يمهله حتى يلقي عليه قصيدته، فألقى عليه قصيدة فيها أخبار الأمم السابقة وأخبار كليب ومستقبله وكيف سيموت، وأخبار البعثة المحمدية والدين الإسلامي، وغيرها من المستقبليات التي ستحدث، وعلّق البدور بأن القصيدة منتحلة كما هو واضح، ومن صنع الإخباريين، إلا أنها وثيقة تاريخية لكثير من الأحداث التي وقعت في تاريخ العرب .
وتطرق البدور إلى التوثيق بالشعر في الإمارات، وأكد أن الشعراء في الإمارات ظلوا يتخذون الشعر كأداة للتوثيق والتأريخ، ومن ذلك قصيدة “إن العروبة بالإسلام عزته” للشاعر حمد خليفة بوشهاب، التي استعرض فيها تاريخ العرب منذ قديم الزمان إلى العصر الحديث، وذكر فيها كل ما مر عليهم من أحداث كبيرة وصغيرة، وما أصابوا من مجد بسبب الإسلام، ومما قرأه البدور من هذه القصيدة:
تاريخهم من رسول الله مبدؤه
وما عداه فزيف كله كذب
فقد أطل على الدنيا ببعثته
وليس فيها لأمر صالح سبب
فوحد الله بالإسلام فرقتهم
على يديه وفي توحيدها العجب
وإذ بتلك البطولات التي جنحوا
بها إلى الشر نحو الخير تنقلب
فلا ترى صفحة بالعدل مشرقة
إلا وجدت بأيديهم لها كتبوا
ولا روت كتب التاريخ مكرمة إلا
وفيها بسهم الفوز قد ضربوا
وتوقف البدور عند قصيدة “يوم الحسين” للدكتور أحمد المدني التي فصّل فيها بدقة أحداث استشهاد الحسين رضي الله عنه، وكذلك استعرض المحاضر بعض الأمثلة الشعرية التي تؤرخ للأحداث من شعر النبط، ومنها قصيدة للشاعر يعقوب بن يوسف الحاتمي يصف فيها قصة غرق سفينة في بحر الصومال، ويعدد الخسائر التي وقعت فيها، ما جعل هذه القصيدة وثيقة تاريخية مهمة، كذلك قصيدة للشاعر نفسه، علي بن محمد بن قمبر، ولهذه القصيدة أهمية كبرى، وقصيدة أخرى لابن قمبر نفسه في وصف حريق ديره، وقد وصف الحريق ومساره والمساحة التي انتشر فيها، بدقة متناهية وحدد الخسائر في الأموال والأرواح .
ولفت البدور إلى أن الكثير من دارسي التاريخ الإماراتي اليوم يعتمدون فيما يكتبونه على السماع من دون أن تكون لهم معرفة بالمجتمع، ولا بتراثه الشعري، والأولى أن تعطى الأهمية للشعر، وأن يتخذ وثيقة أساسية في الكتابة عن المجتمع التقليدي لأنه كتب في الوقت نفسه الذي دارت فيه الأحداث، فهو لهذا مصدر لا غنى عنه لكتاب التاريخ .