بهاء مزيد يحلل لغة أهل مصر اليوم

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

محمد الحمامصي

 

 

هذا الكتاب “لغة أهل مصر” للدكتور بهاء مزيد أستاذ اللغويات والترجمة ورئيس قسم اللغة الانجليزية كلية آداب جامعة سوهاج، والصادر عن مركز الأهرام للنشر، كتاب في التأثيل اللغوي “الإيتمولوجيا” واللهجات وعلم اللغة الاجتماعي والتداولية ويتناول مفردات وعبارات مصرية يتم تداولها خلال السنوات أخيرة، فالمفردات من “التثبيت” و”التظبيط” إلى “الألش” و”التهييس” و”الافتكاسة” و”الاشتغالة” و”ادلعدي” وغيرها، والعبارات من “بأموت في دباديبك” و”الخويان يأكل القوقه” إلى “ادلعدي جوزك فين يا ختي” و”أديك في الجركن تركن” و”وشك وشك قفاك قفاك” و”يا صباح اللي بتغني” وغيرها.

 

ويؤكد الكتاب على ثراء لغة أهل مصر وامتدادها في الزمان والمكان، ففيها أصداء اللغة العربية التراثية والفصحى في مختلف مراحل تطورها، وفيها أصداء لغات أخرى منها الفارسية والتركية واللغات الأوروبية، لغة كهذه اللغة لا بد أن تعكس ثراء الثقافة المصرية وتمردها على القولبة والتنميط والتأطير ونزوعها الفطري إلى السخرية وإبداعها الذي لا ينضب.

 

وفي إطار مناقشته لمستويات اللغة العربية في مصر بين اللغة واللهجة واللكنة يرى المؤلف أن اللهجات في الغالب ترتبط بأقاليم جغرافية، ففي محافظات الصعيد ولهجة القاهرة ولهجة الاسكندرية ولهجة محافظات القناة ولهجة البدو ولهجة أبناء النوبة وغيرها، لا يقف التنوع عند هذا الحد، فسوف تجد أن لأهل المنيا خصوصيات لغوية لا تجدها في سوهاج ـ وكلتاهما من محافظات الصعيد ـ وسوف تجد لأهل جهينة خصوصيات لغوية لا تجدها في البلينا ـ وكلتاهما مدينتان في سوهاج ـ إلى ذلك تتنوع اللهجات باختلاف الطبقات الاجتماعية، فليس كلام أبناء الذوات ككلام أبناء العامة، وباختلاف النوع فليس كلام النساء ككلام الرجال، وباختلاف الأفراد فلكل لغته التي تميزه عن غيره وبصمته الصوتية التي لا ينازعه فيها غيره”.

 

ويشير المؤلف إلى أن من سنن أهل مصر التفخيم “الاستعلاء” والترقيق “الاستفال”. “راجل طيب قوي” و”رادل طيب قوي” في لغة بعض أهل الصعيد تصبح “راقل تيب أوي”، ويصبح “الصمغ” “سمغا”، والبطولة “بتوله”، وصباح الخير تصبح “سباح الخير”، و”الظلم” تصبح “الزلم”، والقلب تصبح “الألب”، و”مش قادره خلاص” تصبح “مش آدره خلاس”، و”حضرتك” تصبح “حدرتك”، و”إخص عليكي” “إخس عليكي”. وحين يلتقي حرفان من سماتهما التفخيم يرقق أهل القاهرة أحدهما على الأقل فتصبح “القطر” “أطر” وربما “أتر” و”سِقْطِتْ” “سِئتِتْ”، وقانا الله وإياكم شر السقوط أو السئوط أو السئوت”.

 

وفي بحثه عن أصل ومعنى كلمة “الاستكراد” قال المؤلف “لم أجد أقرب إليها من كلمة “كروديا” وجمعها “كروديات”. مادة “كرد” في العربية، تفيد الطرد والصرف، و”الكرد” فارسية معربة معناها العتق ـ ومنها “الكردان” وهو معروف في قرى مصر ونجوعها، و”الكرد” جيل من الناس معروف والجمع “أكراد” كما يقول ابن منظور في لسان العرب، وإذا وصفت أحدهم بصفة “crude” الانجليزية فقد عنيت أنه خام، ساذج، قليل الذكاء سهل الانخداع والانقياد، وأصلها اللاتيني crudus ومعناها لا يختلف كثيرا عن معناها في الانجليزية اليوم.

 

على أن لكلمة “كردي” في اللغات الغربية ظلالا من المعنى تقترب كثيرا من ظلال كلمة صعيدي في مصر، بما يرشحها أصلا لمفردة “كروديا” المعاصرة، على كل حال لا يختلف معنى “كروديا” عن معنى المفردة الانجليزية (وقد يتصل كذلك بمعنى credo اللاتينية والتي تعني يصدّق ومنها اشتقت credulous) ولا عن الدلالات العنصرية لكلمة “كردي”. ولأن المصري لا بد أن يضيف لمساته المبدعة فقد اشتق من “الكروديا” فعل يستكرد ـ وينطق بين أهل مصر بفتح التاء والراء ـ أي يستغفل و”الاستكراد” وهو الاستغفال أو اقتناص فرصة “غفلة” الآخرين وسذاجتهم للإيقاع بهم أو لتضليلهم”.

 

وحول مفردة “الافتكاسة” يقول “إذا ما تم ضبط أحدهم من يرتكب فعلا مشينا أو قبيحا في غفلة من الناس قال له “فقستك”. وقد قيل إن الكتكوت لا يقوى على خداع أمه الدجاجة لسبب مقنع هو أنها هي “اللي فاقساه”.

 

والشخص الذي يكذب بطريقة ساذجة يقال له “مفقوس”، من هنا ترد مفردة “فقس” بمعنى الاكتشاف أو الخروج من الظلام إلى النور أو من السر إلى العلن. ولأن القاف حرف ثقيل بطبعه يتحول على لسان القاهريات ومن سارت على نهجهن إلى “كاف” لما بين الصوتين من قربى ورحم. من هنا جاء فعل “فكس” أي كشف و”افتكس” ـ على وزن افتعل ـ أي ابتدع أو اخترع، و”الافتكاسة” أي البدعة أو الاختراع و”المفتكس هو كل مبتدع جديد ليس له مثيل، ومن ذلك وصف منتج بعينه في إعلان تليفزيوني بأنه “جديد مفتكس لذيذ وزيه مفيش”.

 

ويواصل المؤلف تحليلاته للمفردات والعبارات راصدا لأشهر العبارات التي تكتب على وسائل النقل الخاص وكذا تلك التي يرددها الشباب على الفيسبوك وتويتر ويتم تداولها في جلساتهم الخاصة.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى