بوصلة

الجسرة الثقافية الالكترونية – النهار
تبدّت درب السير آرثر كونان دويل طويلةً منذ انتقاله من موقع كاتب القصة القصيرة ليصير روائيا بالمفهوم الرسمي، ثم مبتكراً لحكايات المحقق الأثير شرلوك هولمز. في موازاة هذا التمدد الزمني، كان ثمة انفلاش في النبرة والإيقاع، ذلك ان باكورة الكاتب “حكاية جون سميث” التي عكف عليها في سن الثالثة والعشرين، حيث رجل خمسيني “عنيد وعادي” لا يفارق غرفته بسبب إصابته بداء النقرس، ليست صورة طبق الأصل عما آلت إليه عناوينه لاحقا، وإن جرت المحافظة على الشرارة التأليفية عينها. سيحظى الكاتب الآن بفرصة مستحدثة ليجمع حوله القراء والمهتمين، بعدما باتت حكاياته المتمحورة على المحقق الشهير، في إكتمالها تقريبا، مشرّعة على نحو تلقائي على شهيّة الجمهور العريض، وإن لم يحدث ذلك من باب الحرص على نشر المعرفة وإنما كنتيجة مواربة لقرار قضائي. في التفاصيل، أن الكاتب والمحامي ليسلي كلينغر كان أصدر في الماضي مجموعة من الحكايات تستلهم شخصية هولمز، إلى نماذج تخييلية أخرى تعود للكاتب. بعد تلك التجربة النشرية الأولى التي اضطرته إلى دفع مبالغ طائلة مقابل استخدام بعض شذرات خيال آرثر كونان دويل، قرر محاولة التنصّل من هذا الاستحقاق المادي، من طريق رفع دعوى قضائية ضد الجهة المؤتمنة على إرث الكاتب. يبدو أن المحاولة أتت ثمارها، فأسقطت الحصانة عن آخر نصوص موضوعها هولمز كانت لا تزال مشمولة بحقوق المؤلف. انتقل هولمز، على هذا النحو، ليصير بالمعنى الحرفي والإستعاري على السواء، ملْكاً للعامة.
المقعد الحادي والثلاثون
حين يدخل الكتّاب الممالك الأدبية أو يتسلّمون إمتيازا رفيعا تأتي خُطبهم بمثابة خلاصة لتجربة، ولهذا السبب نجدها مستحقة أن تقرأ وأن تعاد قراءتها أيضا. آخر المنضمين الى “الأكاديمية الفرنسية” كاتب هجين من حيث الإنتماء الى اللغة الفرنسية، بريطاني الأصل والإسم، كاتب بهوية مايكل إدواردز. حين وصل إدواردز الى المبنى، الى تحت قبة المؤسسة الفرنسية المهيبة، تحدّث مباشرة عن الهواجس، تلك المعلنة والأخرى الدفينة؛ واجه أقرانه الجدد بما قالوه وبما تردّد في سرّهم. أعلن: “حين فتحتم لي باب رفقتكم البارزة، استقبَلتُم في وسطكم شخصا أكثر سوءا من الأجنبي: استقبلتم رجلا إنكليزيا”. أضاف ان الحركة ربما بدت متهورة في حقبة كانت الإنكليزية الكونيّة الصحيحة إلى جانب الإنكليزية المعولمة غير الصحيحة والهزيلة، تهددان اللغة الفرنسية التي تقتضي مهمة الحاضرين المحافظة عليها. أضاف في نبرة المتهكّم: “أنتمي كما تعلمون إلى أمّة من غريبي الأطوار، والحال اني دفعت بالغرابة الى حدّ اختيار الكتابة في الأساس بالفرنسية، رغبة في معارضة الفكرة المسبقة التي تفترض ان الشعر الذي يمسح ماديّة الكلمات وعلاقاتها وذكرياتها والتي تلد من صلة حميمة وعاطفية مع اللغة، لا يمكن أن تكتب بسوى اللسان الذي تحدثناه في طفولتنا. تشعرون اني أنجذب على نحو لا يقاوم إلى اللغة الفرنسية، وأنتم كرمتموني من خلال دعوتي الى جواركم لدعمها، على نحو يجعل المقعد الحادي والثلاثين، حيث جلس في السابق منبوذان وشخص ثالث قطع رأسه، يستقبل من الآن وصاعدا، أحد المهاجرين”.