بين المشمش والجرأة .. وبيننا حَكي / عبد السلام عطاري (فلسطين)

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

 

قُلتَ لي ستغادر، هي اللحظة التي لا أجيد طقوسها، كانت سيجارتك تذبل وتلدغ رأس إصبعك، وكاسة الشاي كما هي تركتها تبرد أو لتبرّد لحظة غيابك عني، كنت أعددت لك مواسم الجرأة والمشمش، تماما حالة نستنفر بها جرأتنا. هو موسم المشمش، أسبوعه لا ينتظر نضوج فكرة نعيد رسمها ثانية ونؤجل جدالنا حولها.

 قالت لي ذات مرّة ممازحة: بالمشمش، قلت لها :( هاي المشمش طاح). وما زلت أردد أن المشمش جُمعة  تضيع لحظة التردد بما سوف أقول لها.

 وأنت كما أنت كما هي؛ محبة  تتطوّح وتطيح بي، تأخذك مني زحمة الحقائب، وعجقة العمل المستعجل، لا بأس سوف أكون جريئاً في نهارٍ أُشعل الشمس وتظللني خروبة (المحظة) العجوز، وأطلق في برّ الجرأة سهامي، اصطاد كل حجل الوادِ بعينين وابتسامة وبصفرة  من الشفتين، بغمزة مكحّلة بأثمد  الليمون في طابون أم، وافرش على “ظهر الوَعْرة” سرج حصاني وأتكيء لأشرب شاي الحطب نخبها…

في المساء افتح نافذة “العَقد” وأُعلّي صوت المذياع على ” رجعوني عينيك” وأقفله على ” لسه فاكر”.

 هذه المرّة سوف أكون مَدنيا وإنما بطبع فلاّح دخل الموضة تماماً ونسي مشيته؛ أعني رقصة العصر و أغني  لـ(مادونا)، أغير (اللّوك) أفرد شعري بعشوائيةِ فتيان( المنارة) و( عبدون)، أطلق ذقني وأعقد قميصي بشكل فوضوي، أمزق بنطال الجينز- ليت جدتي تعلم أن ما كان منّ أطفال الحارة يوم كنّا نتسلق تلال الوعر ونمزّق سراويل العيد بعد فواته وأصبحت موضة العصر، وها نحن قد سبقناها بسنين وسنين، ولو فهمنا لكان حق امتيازالموضة لنا-.

سوف أركن اليرغول والشبّابة قليلاً، وأبعد عني ظريف الطولة والدلعونة وجفرا خلف حلكة الليل أو اتركهما تحت عريشة حقول البطيخ وعبّاد الشمس.

أريد حبًّا باتساع (اتوسترادات المدن) حبًّا بلون ( آرمات) المقاهي التي تشعل وتضيء أحرف اللاتين،  أريد سهماً يشيرإلى طهو نعاسٍ مغمسٍ برائحة الليل بأرصفته المحشّوة بالمتأخرين عن أعمالهم.

أريد أن أستميلها بعيداً عن الحب البرّي والقروي وأنتظار الشوق خلف ظلال التين وغزل العيون والعزف على الربابة خلف عين الماء أو على طريقها، لا أريد أن تشاطرني تينة (أبو العجائز) انتظاري لها.

سوف أطلق للساني كلامه ، ستلاحقني عمّتها، وعجوز الحواكير، وأمي تحمل خبز الطابون على رأسها،  وتفضح وقاحتي وتجتمع العائلة، تناقش أمر جرأتي وتمرّدي .

قيل لي تمرّدت على القابلة حين وضعتني أمي، رفستها بقدميّ حين صرخت يا كون اتسع وهيء لي عرش الكلام .. تمرّدت على أمي حين رفضت الرضاعة ففتحت فمي جارتنا بقطرات الرمّان … يا لنبيذه الذي منحني المعاني ونشوة البكاء.

حين ركضت شربت الحليب مع خرافِ الربيع شاطرتهم ضِرع أمهاتهم، تمرّدت على القطيع حين أشتد عود اللوز ليكون عكازة أهش بها على غنمي.

 كبرت وكبرت، صرت وتمنيت وتمردت على عمري حتى اختلط  على الناس سنوات ميلادي وعدّاد حياتي.

هي ظلال العمر، وظلال النوافذ، ظلال صوامع القمح على البيادر، ظلال شَعرها حين يلّم الضوء ويسترخي على كعب جدار الشيد الممزوج بلون (النيلة) وتمنح الضحى زرقة السماء في عينيه، هي السماء  في الليل خلف ” طاقة” بيتها، نجمة تسهر على فلاحيْن يسامرهما الشوق ولسعة البرد،وخفق الأنتظار لندى الحقول، كلّ هذا وتقول ستغادر؟!

 

من نصوص حكايات ” السيباط” القديم 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى