بين سرقة الكتب والأرض ومدى شرعية الإنتماءمعرض «فسحة» للفلسطينية أميلي جاسر

الجسرة الثقافية الالكترونية

#عون جابر

تطالع زائر محطة القطارات القديمة التي تحولت إلى متنزه في منطقة شيلسي في منهاتن- نيويورك (الجادة العاشرة)، جدارية بخلفية بيضاء كتب عليها بخط جميل» هذا الكتاب يخص صاحبه فتح الله سعد إشتراه من ماله غرة آذار سنة 1892». وتمت ترجمة هذه الجملة إلى الإنكليزية. موقع الجدارية يقع على مستوى خط النظر لإحدى معالم منهاتن وهو بناية الأمباير ستيت، وبذلك لا مفر من رؤية- أوقراءة الجملة العربية أو الإنكليزية.
المحطة المؤهلة بتواضع ولكن بجمالية تنبئ عن مدى أهميتها في تاريخ منهاتن. فالملايين من كل مناحي ومشاغل الحياة مروا من هنا، وبقايا الحيطان والمداخن تفصح عن عراقة وعرى وثيقة بين الناس والمكان والتاريخ. أي خلاصة تجربتهم الإنسانية المكثفة والزاخرة بالألم والفرح ما زالت تجثم فيها. تأهيلها كحديقة للزوار هو إستجابة لمدى أهميتها التاريخية في حياتهم.
عام 1995 أنشأ مؤسسو متحف ألكسندر وبونين، الواقع قربها، حين أدركوا اهمية الموقع، ليكون في خدمة الفنانين المعاصرين في كل أنحاء العالم، ومنهم كانت الفنانة و المخرجة الوثائقية الفلسطينية أميلي جاسر المشاركة هذا العام بمعرضها المسمى «فسحة» ومنه هذه الجدارية.
ما سبق من معلومات تم الحصول عليها من الإنترنت، وأول ما تبادر إلى ذهني عند رؤية الخط العربي هو فحص مدى معرفة ابني المرافق بقراءة اللغة العربية. و عند الإنتقال إلى التفسير وسبب الكتابة، تداعت الأسئلة ومنها: ما علاقة هذه الجملة بالفن؟ و مامدى اهميتها، ولماذا ومتى تم بناء هذا العمل؟ وما حدث في زمن كتابة هذه الجملة؟ و ماذا تعني لنا كمتفرجين و لها كفنانة؟ محاولة الإجابة على هذه الأسئلة يقود إلى التعرف على سيرة الفنانة و نشاطاتها، فبخصوص اللوحة نجد أنها كانت تقضي الساعات الطويلة في مكتبة القدس العامة و تصور بهاتفها عناوين الكتب المنهوبة من بيوت الفلسطينيين و تصور أيضا الملاحظات الشخصية التي دونها بعض أصحاب هذه الكتب بخط اليد في الحواشي أو في الصفحات الأولى والأخيرة وتختار المعبر منها للنشر.
هنا تتضح الصورة و تصبح الجملة مولدة لإسئلة ولدلالات متفاوتة بحسب القراء. الأولى لغوية لإستعمال الكاتب العربية الكلاسيكية (غرة)، وبالنظر إلى تاريخ كتابة العبارة (1892) ندرك أن العربية المعاصرة كانت غير متمكنة. فكلمة غرة بالمعنى المستعمل في هذه الجملة نادر الحصول.
ولكن الأهم هو في تأكيد ملكية الكتاب الشرعية لصاحبه و المسمى بوضوح و بالتالي فهو ليس بهدية أو إستعارة أو مكتوم الإنتماء. والدلالة التاريخية هي حجم الكتب المسروقة (ثلاثون ألف كتاب) من بيوت الفلسطينيين حتى عام 1948 والتى تشير أيضا إلى علاقة الفلسطينيين بالثقافة. سيتفاجأ المشاهد و القارئ الأميركي عندما يدرك أن شعبا فلسطينيا كان موجودا حينها، وكان يقتني و يشتري كتبا وان له علاقة وطيدة بالثقافة قبل الإستيطان الصهيوني و نشوء إسرائيل بأكثر من خمسين عاما. وأن علاقته بالأرض تتماهى مع علاقة فتح الله سعد بكتابه. وسيربط بين سرقة الكتب وسرقة الأرض– الوطن. و بين مدى شرعية إنتماء الصهاينة لأرض فلسطين.
المتأمل في الجدارية و المضطر إلى جمع المعلومات سيتعلم الكثير من خلال توالد الأسئلة و لكن أليست هذه هي ميزة الفن الجميل الذي يفتح أمام الرائي كل الإحتمالات التي قد تفضي لما يلامس مشاعر المتلقي ووعيه؟!
شاهدت الكثير من الزوار الذين تساءلوا عن معنى الجملة كونها مترجمة للإنكليزية و عبروا عن إعجابهم بإنسيابية الخط العربي وجماله ولم يتأخروا ولو للحظة لمعرفة ما وراء السطور من خلال الإستنجاد بمحرك البحث غوغل و ما سيخلقه من تداعيات معرفية. وهذا ما فعلته في البدء وما قد يفعله القارئ لمعرفة المزيد عن الفنانة وجداريتها

#القدس العربي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى