بين ضفاف القصة الومضة.

الجسرة الثقافية الالكترونية

*رجاء العلوش

من المؤكد أن لكل جنس أدبي رونقه وجماليته، و القصة الومضة هي من الأجناس الرشيقة
الممتعة، لكنها خلافا لما يظن بعض المستسهلين ،الغير متمرسين و الغير العارفين لمقومات الومضة،
هي صعبة التأليف،لأنها لها مقومات خاصة، وتتميز عن القصة القصيرة العادية و إن اشتركت معها
في بعض العناصر.
يقول ؛هارفي ستابرو؛ أن القصة الومضة ،جنس أدبي ممتع و لكنه صعب التناول، و هي كما
قال؛عمران أحمد؛ قصة الحذف الفني، مما يجعل الحذف من مقومات القصة الومضة فنزيل الزوائد
اللغوية و الحشو القصصي الوصفي، ولكن هذا الحذف ، ليس مجرد إقتضاب و اختزال لنص بعينه
ليصبح قصة ومضة، فالقصة الومضة لا تعتمد على مجرد الإختزال و إزالة الحشو الوصفي، إنما
الأهم هو التركيز و التكثيف الشديد في الكم القليل جدا من الكلمات التي تصبح شديدة الإمتلاء،
فكلما اختزلنا كلما كثفنا في الدلالات و الإيحاءات، فيولد نص كالصرخة التي تعتمد آهة واحدة
تبلغ المقصود، أو كالرصاصة تنفذ إلى المنشود.
و بين المقصود و المنشود يكمن دور القصة الومضة في نقل رسائل إجتماعية أو فكرية
أو سياسية.
يمكن وصف القصة الومضة بقطرة مركزة من عطر فواح، فنعتصر الكلمات منتقين
أبلغها متجنبين الإستطراد الذي هو من جماليات القصة القصيرة العادية، فنقتصد في الكلمات
كمّا، و ننتقيها كيفا، فإذا كانت جمالية القصة العادية في الإضافة، فجمالية القصة الومضة تعتمد
على فن الحذف ،فكأننا نكتب بممحاة سحرية تختزل بقدر ما تكثف مع اعتماد التركيز في انتقاء
الكلمة مما يوصلنا إلى فكرة أو موقف إنساني شديد الصدق .
كيف نختزل و نكثف؟
إن في تناول القصة الومضة تدريب على الإقتصاد في الكلام مع التبليغ النافذ و يتأتى ذلك ب،
ــ تجنب إستعمال الأفعال الناقصة و أفعال الوصل، و الإلتجاء إلى أفعال الحركة.
ــ تجنب استعمال الصفات و الظروف و ذلك يسهل باستخدام أفعال الحركة التي تُسُِْقطُ الصفات
و الظروف بصفة آلية.
ــ التخلي عن إستخدام حروف الربط.
ــ الإبتعاد عن الإفتعال ،فلا نستعمل الإيجاز كغاية ،في حين هو وسيلة لتبليغ المقصود .
ــ التركيز على استعمال لغة تعتمد الإيحاءات و الدلالات فتقود القارئ إلى التفطن
لمقصودنا عن طريق الإستنتاج ممّ يجعل القارئ ينشغل بالنص فيتبصر في مضامينه ،
ليصبح النص بالتالي ذكيا لقارئ ذكي لا يكتفي بنص عادي تقريري إملائي مباشراتي ،
بل يتوق إلى الإبحار في المضامين و الإيحاءات بعيدا عن كل سفسطة و ثرثرة و تنميق مفتعل.
ــ إستخدام المفارقة ، إن التناقض في المفارقة التصويرية ،هي فكرة تبرز استنكار التباين ،
فالمفارقة صيغة بلاغية ذات شحنة د رامية، و هي تقنية قصصية فيها تشويق و إثارة ،
فنقول نقيض ما نقصده مع الإيحاء لما نعنيه بصيغة نقدية تهكمية قد تضحك، قد تبكي و قد
تدهش…
و في ثنائية المفارقة تحميل لأبعاد التقابل أو التضادّ ، و هي مقارنة بين حالتين متضادّتين
بأسلوب غير مباشر ،يُفهم بالإستشفاف عبر نص لغته تحمل دلالات في الموقف و المضمون،
تبعث على الدهشة و الحيرة و التساؤل ،و تعمق إحساسنا بالأمور ،فيسهل فهمنا لها ،
بحيث تصل إلينا بطريقة إيحائية غير مباشرة ، و غير تقريرية تلقينية .
ــ الخاتمة المدهشة ، و هي ركن مفصلي في القصة الومضة ، و الهدف المحدد في القصة،
تختلف خاتمة القصة الومضة عن خاتمة القصة العادية التي تحتمل نهاية واضحة،أو نهاية مرمزة
أو نهاية مفتوحة على عدة احتمالات ،أما خاتمة القصة الومضة فليست نتيجة للسّرد و إنما هي
إحدى مفرزاته ،وهي قفزة إستفزازية من داخل النص إلى خارجه ، و هي تعبير عن النص
بدالّه و مدلوله في تزاوج و انسجام فلا يطغى أحدهما على الآخر.
وبما أن القصة الومضة مختلفة عن القصة العادية ،فهي لا تخضع لبناء أرسطي ؛
؛بداية؛قمة؛سقوط؛ فخاتمتها ،أي خاتمة القصة الومضة هي المرتكز ، و الهدف، فلا تمر ببداية ،
ولا قمة، بل ترمي إلى الهدف و تصيب كالرصاصة ، مع ترك أثر الرضا في نفس القارئ ،
دون انتظار توضيح .
بإيجاز، من مميزات القصة الومضة الناجحة بامتياز،
الإشعاع داخل النص القصصي أولا، و في وجدان المتلقي ثانيا، و ذلك بأسلوب برقي ، و شكل فني،
باستخدام التكثيف والإيحاء و المفارقة و الخاتمة الصادمة التي تدهش القارئ ، و تثير مخيلته
فينفعل و يتفاعل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى