تجسد أحوال الوطن العربي في رواية مليئة بالإسقاطات

الجسرة الثقافية الالكترونية-الراية-
(جنوب غرب طروادة…جنوب شرق قرطاجة) هي رواية للكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني جاءت: «متوازية في شخوصها وأحداثها وإسقاطاتها مع ما حدث ويحدث للعرب، وجاء اسم طروادة ذات البعد الأسطوري الإغريقي مرادفاً لغرناطة آخر مملكة عربية مزدهرة في الأندلس وآخر معقل عربي أفلت عنه شمس حضارتنا، لتمثلا توأمة فنية تختلط معهما وفيهما حقائق التاريخ مع وقائع الجغرافيا مع الخيال المجنح للكاتب ليتقاطع ذلك كله مع ما يحدث الآن في ليبيا التي منيت بحكم فردي امتد لما يقارب خمسة عقود تحت سيطرة طاغية يرى نفسه المخلص ويظن نفسه كما كان يدعي «نبي الصحراء» .
وقدم لنا الكاتب الكبير إبراهيم الكوني، روايات لن تنسى في المشهد الروائي العربي، ومن خلال جلِّ أعماله التي تبدو كأنها قادرة على التنفس مع هموم وقضايا الإنسان العربي ابن بيئته، رسم لنا مشهداً كاشفاً للصحراء العربية مترامية الأطراف، في أبعادها الجغرافية والتاريخية والإنسانية
وقد نجح الكوني في خلق وقائع وأحداث وشخصيات، تبتعد بالمتخيل عن التاريخ، من خلال مسحة تراجيدية، يمتزج فيها الفكري بالوثائقي بالإنساني، لتجعل التاريخ داخل المتخيل وليس العكس، وتشي لنا بأن المستقبل العربي يكتب الآن بحروف من دم.
ويهدي الكوني روايته إلى أبطال لم يروا يوماً في الوطن غنيمة، فجادوا بأنهار الدمّ ليبعثوا فيه القيمة، إلى شهداء ملحمة السابع عشر من فبراير: نزيف يشهد كيف يعيد التاريخ نفسه» .
ويفتتح روايته بتساؤل لجان جاك روسو: «إلى أي مآلٍ سيئول التاريخ لو خلا من الطغاة والحروب ومكائد أهل الكيد؟» .
ومن المقتطفات الجميلة في الرواية نقرأ:
“أصلح إنسان لممارسة مهنة الحرب هو مريد السلطة أولاً، ثم مريد المال ثانياً، ثم مريد المرأة ثالثاً” ، و”الملوك يطلقون ألف وعد في كل صباح، لكنهم لا يفون بوعد واحد مع حلول المساء، لا لأنهم غير ملزمين أخلاقيّاً بتنفيذ وعودهم، ولكن لأن لا أحد يجرؤ على تذكيرهم بوعودهم” ، “تُصاب الصبية بالمس ما أن تقتنص في سيمائها إيماء الحسن” ، و “إن الأبناء هم أسوأ لعنة يمكن أن تبتلي بها الأقدار الآباء” ، و “إن ما يهزمنا هو العشق، لا غياب العشق” و”الويل ثم الويل لمن تلقى رسالة، ثم لم يحسن قراءة الرسالة” و”القوانين الدنيوية لم تكن يوماً سوى ظل باهت للقوانين الأخلاقية. أي أنها دليل على غياب النواميس الإلهية” .
ويعتبر إبراهيم الكوني الروائي العربي الأكثر شهرة على مستوى العالم حاليّاً، إذ إن ترجمة أعماله إلى معظم اللغات الحيَّة، جعلته معروفاً في الغرب أكثر من معرفته في العالم العربي. وهو روائي يكاد يكون متخصصاً بأدب الصحراء، فمسرح قصصه ورواياته وجلُّ أعماله هو الصحراء بأناسها وأساطيرها وحيواناتها وطبيعتها القاسية. ويمتلك الكوني موهبة فنية رائعة ومدهشة، حيث ينقلك إلى الصحراء كأنك تعيش فيها، وتتنفس ترابها، وتتلظى بهجيرها الذي لا يرحم.
ولد الكوني بواحة غدامس الليبية العام 1948، وحصل على الليسانس ثم الماجستير في العلوم الأدبيّة والنقدية من معهـد غوركى للأدب العالمي بموسكـو1977 ، وتقلد عدداً من الوظائف والمناصب داخل وخارج ليبيا، وهو الآن شبه معتكف في معتزله السويسري.
وقد حصد عدداً من الجوائز أهمها:
– جائزة الدولة السويسرية، عن رواية «نزيف الحجر» 1995.
– جائزة الدولة في ليبيا، عن مجمل الأعمال 1996.
– جائزة اللجنة اليابانية للترجمة، عن رواية «التبر» 1997.
– جائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية، عن رواية «واو الصغرى» 2002.
– جائزة الدولة السويسرية الاستثنائية الكبرى، عن مجمل الأعمال المترجمة إلى الألمانية، 2005.
– جائزة الرواية العربية (المغرب)، 2005.
– جائزة رواية الصحراء (جامعة سبها – ليبيا) 2005.
– وسام الفروسية الفرنسي للفنون والآداب 2006.
– جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي 2010.
وقد تجاوزت مؤلفاته 75 كتاباً، بين رواية ومجموعة قصصية ونصوص ودراسات، ومنها: جرعة من دم (قصص)، شجرة الرتم (قصص)، رباعية الخسوف (رواية)، التبر (رواية)، نزيف الحجر (رواية)، القفص (قصص)، المجوس (رواية)، ديوان النثر البري (قصص)، وطن الرؤى السماوية (قصص – أساطير)، الوقائع المفقودة من سيرة المجوس (قصص)، خريف الدرويش (رواية – أساطير)، الفم (رواية)، السحرة (رواية)، بر الخيتعور (رواية)، واو الصغرى (رواية)، عشب الليل (رواية)، الدمية (رواية)، الفزاعة (رواية)، الدنيا أيام ثلاثة (رواية)، نزيف الروح (نصوص)، بيت في الدنيا وبيت في الحنين (رواية)، يعقوب وأبناؤه (رواية)، قابيل… أين أخوك هابيل؟! (رواية)، الورم (رواية)، من أنت أيها الملاك؟ (رواية).