تداخل المفاهيم في المسرح العربي / عبد الكريم قادري (الجزائر)

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
من الصعب على الباحث أو الناقد المسرحي أن يجد تعريفا نهائيا للعديد من المصطلحات المسرحية والألوان الفنية التي تدور في فلكه، إذ أصبحت كل التعريفات أو القوالب قابلة للتغير والتبديل، لذا صار من الصعوبة بمكان أن يتم حصر مدرسة فنية لكاتب أو منظر بعينه، حتى وإن فعلنا فإننا نكون قد ظلمنا مجموعة من الأشخاص الذين أضافوا في العديد من المراحل أشياء بعينها ساهمت بشكل أو بآخر في مرحلة الاكتمال والنمو، لذا تبقى هذه المصطلحات والمدارس المسرحية مجرد اجتهادات نقدية وتاريخية لم تكن أبدا القول الفصل، بل هي مجرد تعريفات جاهزة، وأشياء نسبية تم توارثها ونقلها كما هي، وتُزين في الكثير من الأحيان بزخرف القول، لذا يتم تخزينها في ذهن المتلقي الذي يكون في الكثير من الأحيان إما طالبا أو كوميديا أو ناقدا، فتنغلق في ذهنه تلك الدائرة لتصبح مع مرور الوقت من المسلمات التي لا يجب الاستغناء عنها، لأنه من الصعب أن يتم الاعتراف بأن ما يُخزن في الذهن لمدة زمنية معينة هو معنى خاطئ، ولا يجب أن يكون كذلك لا لشيء سوى لأن حامل هذه الكتلة أو الكم المعرفي لا يمكن أن يعترف بسهولة و صار من الصعوبة تغيير ما خزنه و في بعض الأحيان نجده يُدافع عن الخطأ و هو يعرف أنه كذلك، وهي من الأبواب التي تدخل فيها الكثير من العوامل النفسية والشوفينية الضيقة، لذا تبقى هذه الحالات تتآكل دون أن تظهر نتائجها، وكل حالة تخضع إلى شكل معين ونتيجة مبنية تتسبب في بلورتها معطيات متعددة، تتراوح بين ما هو ديني وبيئي وبين الهوية والإنتماء، وبمجرد حضور جزء منها تنطبق عليها في الكثير من الأحيان شروط الامتناع حتى لا نقول التطرف المعرفي، بهذا الشكل تكون الأزمنة والأجيال قد ساهمت بشكل كبير في نقل هذه المعارف والمفاهيم الخاطئة، وكل جيل يضيف ما يراه مناسبا، لتصل لنا بهذا الشكل المشوه، ونحن بدورنا في العالم العربي نقوم بإضافة لمسة معينة كي نساهم من جهتنا في هذا التشوه، إذ أن “المصطلحات الأجنبية تجاوزت مرحلة “الدخيل” لتندمج معربة في سياق الإستعمال العربي حتى ليخيل لنا بأنها كلمات عربية الأصل”
وعليه فإن المعارف الحقيقية والتعريفات الصحيحة ليس لها مكان في ما ورثناه، لأن كل فن ساهمت فيه مجموعة من الأفراد والجهات، وليس وليد جهة واحدة أو فرد بعينه، والنتيجة التي أحاول أن أصل لها من خلال ما ذكرت هو أنه لا يمكن في حال من الأحوال أن نُخزن أي قاعدة معرفية دون أن نترك زاوية فارغة، نتمكن من خلالها من تصحيح ما خزناه دون السقوط في فخ التفاجئ أو نتورط في عملية التطرف المعرفي كما ذكرت سابقا، خاصة وأنه من الصعب أن نجد مذهبا أو مصطلح نقيا وقد “كانت الدعوة القديمة متطرفة في قولها بنقاء النوع وذلك بالفصل الصارم بين الأنواع لدى كل من أرسطو وهوارس وبوالو وفولتير وجاءت الرومانسة كرد فعل متمردة على كل الحدود الموضوعة بين الأجناس قادها في ألمانيا الأخوين شليغل في نهاية القرن 18 وفي فرنسا فكتور هوجو الذي دعا في مقدمة “كروميل” إلى إعادة الأنواع إلى حالتها الأولى من الإختلاط وهاجم القواعد الكلاسيكية الصارمة”
من هذا المنطلق نكتشف بأن العالم العربي خصوصا وقع ضحية مباشرة لمشكلة المصطلح، بعدما انعكست المفاهيم الخاطئة على مدونته الفنية، التي أبرزتها المدارس الغربية المسيرة من مصالح وحفريات ثقافية معينة، تكون في أغلب الأحيان تنحاز لها بشكل كبير وتدافع عنها بكل السبل حتى وإن كانت بطرق تدليسية، على اعتبار أن المصلحة العليا في نظرهم تتطلب إيصال المفاهيم والأفكار التي يرونها مناسبة بأي طريقة كانت، ناهيك عن الحيز الجغرافي الذي ينتمي له كل منظر أو مدرسة فنية أو أدبية بعينها، بحكم الغلو والانتماء والفخر بإنجاز العرق، فمثلا هناك تعريفات وألوان فنية مصدرها ألمانيا، لكن فرنسا أو بريطانيا لا تعترف بها بحكم أن فلان الفرنسي زاد عليها، أو أن علان البريطاني أشار لها قبلهما، اذ يتم تشتيت المتلقي حتى وان تم دمغه بالأسس العلمية، لذا يصبح متوجسا، و”مما لا شكك فيه أننا نسج شبكة من التصنيفات لا من أجل الإنتاج الفني، فالإنتاج الفني عفوي وتلقائي، ولا من أجل الحكم على آثار الفن، فهذا الحكم فلسفي، وإنما من قبل الحصر للحدود الخاصة التي لا حصر لها، ومن قبيل الإحصاء للآثار الفنية الخاصة التي لا تحصى، وذلك كوسيلة عملية تفيد الانتهاء والذاكرة، إن هذه الأنواع والأصناف تسهل معرفة الفن وتيسر التربية الفنية”
ويضيف “أن تقولوا هذه ملحمة أو هذه دراما أو هذه قصيدة غنائية فتلك تقسيمات مدرسية لشيء لا يمكن تقسيمه، إذ الفن هو الغنائية أبدا، وقولا إن شئتم هو ملحمة العاطفة ودراماتها”
لذا يساهم العرق والجهوية بشكل نسبي في هذا التشابك، كل واحد يريد أن ينسب الإنجاز إلى بني جلدته، وهذا ما يثبت أن هذا الأمر حدث للعديد من الأجيال، وورث مشاكل حقيقية في نسب العلوم والتعريفات والألوان الفنية ومؤسسيها الحقيقيين، لذا نرى بأن كل الأمور نسبية، وليس هناك أي مجال لأي تكامل أو مثالية ما، والفن الحقيقي هو الذي يولد من طرف المتشكك، وكل لون فني أينما كان هو تكملة يكون قد بدأها آخر مجهول تماما، وأضاف إليها ربما حتى شخص عن طريق الصدفة أو حتى ليس هذا مجاله تماما، ومن أجل دعم هذا القول فقد كتبت على محرك البحث “قوقل” كلمة مونودراما، فظهرت لي الآلاف من المواضيع التي تتحدث عن هذا اللون الفني، لكنني لم أجد أي تعريف كامل، كل التعريفات مختلفة ومتداخلة ومنسوبة وموزعة على العديد من الرقع الجغرافية أو العصور المختلفة، من العصر اليوناني والى يومنا هذا، وعليه سأنسخ جزافيا من محرك البحث المذكور فقرة وألصقها بالموضوع لتكون النتيجة كالتالي:
” يعتبر الكثيرون أن أصل هذا النوع يعود إلى ما قدمه الممثل والكاتب المسرحي الألماني “جوهان كريستيانابراندز” عام 1775-1780، لكنه لم يلقى رواجا كبيرا لأنه لا يعد حوارا ثنائيا، ويعود أوَّل نص مسرحي يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان جاك روسو وكان ذلك عام 1760م، وهو نصه( بجماليون)، ولكن أول من أطلق مسمى مونودراما على نصه مود Maud) ) كان الشاعر ألفريد تينيسون Alfred Lord Tennyson في العام 1855م. لاحقاً، بدأت نصوص المونودراما تتكاثر ويرتفع لها الصوت، فكتب تشيخوف نصه الشهير (مضار التبغ) ووصفه بالمونولوج في فصل واحد، وكتب الفرنسي جان كوكتو نصه (الصوت الإنساني)، وكتب يوجين أونيل نصاً مونودرامياً بعنوان (قبل الإفطار)، بينما كتب (صموئيل بيكيت (شريط كراب الأخير والذي اعتنى بالمونودراما ووجدها أنسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العبثية والتي تقوم على عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعي”
إذا على ضوء ما قد ذكرنا واستشهدنا فإن المونودراما تعريف زئبقي غير متفق على ماهية شكله النهائي، شاركت في خلقه كل من ألمانيا وفرنسا وحتى روسيا وهولندا وغيرها من الدول الأخرى، وفي عملية نسخ ولصق أخرى نرى هذا :
” برز هذا الشكل المسرحي وأزدهر في العصر الحديث خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، هذا يعود إلى ظهور المدرسة النفسية بريادة سيجموند فرويد ومن تلاه، ساهمت في ترسيخ فن المونودراما، بالتركيز على الأمراض الشخصية والعصبية والنفسية للإنسان، وبالتالي انعكس هذا على خشبة المسرح، حيث يأخذ الفنان المسرحي مادته من الحياة ليضعها في نهاية الأمر بأمراضها وانفصامها ووحدانيتها على خشبة خالية تبحث عن مخلص، أو من يستمع إليها، المونودراما كفن ارتبط بإرهاصات المسرح الأولى عند اليونانيين، فمنذ نشأته، أعتمد المسرح، وبعد أن كان لا يعدو كونه طقوساً تعبدية، على الممثل، الذي انتقل مع المسرح اليوناني القديم من مرحلة السرد إلى مرحلة التمثيل مع أول ممثل في التاريخ ثيسبيس “Thespis، والذي أخذ من اسمه المصطلح الأنجليزي Thespian ويعني مسرحي أو ممثل”
من خلا هذا أيضا نرى بأن فرويد هو الآخر ساهم بشكل من الأشكال في بناء وتطوير المسرح الحديث، بعد أن اسقط نظرياته التي طبقها على المرضى النفسانيين وحتى المجانين وعلى العقلاء، وأنا اجزم بأن فرويد لم يكن يحلم يوما بأن يكون أحد الذين ينسب لهم الفضل في تطوير وخلق شكل فني معين، كما نرى أيضا بأن اليونانيين هم أيضا لهم يد في المونودراما بعد أن اتخذوه كطقس تعبدي، ومن جهة أخرى اعترف من خلال هذا البحث بأنني وجدت فقرة ربما تحاكي التوجه العالم للموضوع الذي أتناوله، وهي :
” بعد الحرب العالمية الثانية تم تأسيس ما يسمى بكلية الباتافيزيقية التي أصبحت فيما بعد أكثر الحركات الفكرية في العالم الغربي إغراقًا في الغرابة وبعدًا عن المألوف ومغرقة في العبثية وكان من بين الأعضاء المؤسسين ” القصاص ريمو كوينو والشاعر جاك بريفير والرسام جان دوبوفيه والفنان بوريس فيان ورينيه كلير والكاتب المسرحي يوجين يونسكو واعترف هؤلاء المؤسسين بأن هذا العلم يصعب تعريفه، وقال أحد أعضاء الكلية وهو “روجر شاتوك” قال أن ” من التناقض تعريف الباتافيزيقية من خلال أي شئ سوى الباتافيزيقية نفسها. الباتافيزيقية لا تعرف إلا نفسها. “كانت الباتافيزيقية هى أقصى رد ضد العلوم الطبيعية والفيزيائية، محطمين بهذا دكتاتورية العلوم. تفترض الباتافيزيقية أن كل ظاهرة لها قانون خاص إي قائمة بذاتها وبهذا فهي علم خاص، علم القوانين التي تحكم الإستثناء لا القاعدة. وتمثل مرحلة قصوى من مراحل الفوضى الفلسفية. لكن رغم كونها فوضى إلا إنها لا تسعى للدمار بل هي تدعو للتسامح و تعطي كُل منا الحق في تصرفه، وهذا يعود لأن كل فرد ظاهرة مستقلة غير خاضعة لقانون عام في عرف هذه الفلسفة يتساوى كل شئ العلم والجهل، الزمان واللازمان، المنطق والعبث، فهي ترفض البحث عن الحقيقة فهي فلسفة ترفض كل القيم والموروثات. لكنها لا تدعو للإنحلال”
من خلال هذه الفقرة نكتشف بأن جماعة الباتافيزيقية على درجة كبيرة من الوعي الفني والفكري والفلسفي، إذ لم يقحموا أنفسهم في تعريفات ونظريات تقتل مدرستهم أكثر ما تحييها، وتساهم في بلورة رؤيا تساعد على فهم حقيقي لماهية الهدف من تأسيس هذه المدرسة، إذ قالوا انه من الصعب تعريف توجههم وحصره في زاوية معينة، يمكن إذابتها مع الزمن أو حصرها في زاوية محدد وتوجه واحدة، لا يمكن أن يتم إضافة أبواب أخرى تلائمها، وهذا ما يفتح الباب على مصرعيه لجهات أخرى ترى وتنادي بتطوير هذه المدرسة، ومع الوقت تذوب ويتوزع فضل تأسيسها إلى جهات جغرافية وأفراد وأزمنة متعددة. وقد”كان أفلاطون أول من اهتم بالأنواع الأدبية وميز بين الوصف والتمثيل ونوع ثالث يجمعهما، أما أرسطو فقد ميز بين الأنواع الأدبية استنادا إلى الأسلوب، وحديثا ربط ياكبسون اختلاف الأجناس الأدبية بضمائر اللغة فربط بين الشعر والأنا والملحمة والهو والدراما والأنت، أما نورثروب فراي فقد ارتأى تقسيمات أخرى للأنواع الأدبية وربطها بالطبيعة وفصولها الأربعة، وقام النقاد والمنظرون الألمان بالربط بين الأجناس الأدبية والمراحل التاريخية والإنسانية كالطفولة والشباب والنضج، وأهم من ربط الجنس الأدبي بالتطور الحضاري والطبقي هو لوكاش في كتابه “نظرية الرواية” بمقولته التي أخذها من هيجل القائلة بأن الرواية هي “ملحمة البورجوازية” كما أن باختين توسع في هذا الموضوع في كتاباته النقدية”
بالعودة إلى مصطلح المونودراما أجد بأن هناك تداخلا واضحا بينه وبين ألوان مان شو والمونولوج، إذ تواجهني صعوبة في إيجاد تفسير نهائي لهذه المصطلحات، خاصة في العالم العربي، التي أرى بأن العديد من الأعمال المسرحية التي يؤديها شخص واحد تختلف تسميتها من فرقة إلى أخرى، ومن ممثل إلى ممثل، ومن مسرح لمسرح، حيث يتم تفسير المونودراما على أنها مسرحية يؤديها شخص واحد، تتشابك فيها الشخصيات التي يتقمصها المؤدي، على عكس المونولوج فهو مناجاة الممثل وحديث النفس داخل المسرحية التي يؤديها أكثر من ممثلين، أما الوان مان شو فهو الآخر من المصلحات التي لم يتم قطعها بتعريف أو بشكل فني معين، لكن نستخلص بأن المصطلحات الفنية الثلاث المذكورة تشترك في شكل واحد وهو أنها مسرحية تُؤدى من طرف شخص واحد، لكن من جهة أخرى أجد في بعض التعريفات على قلتها، أو حسب فهم العديد من الكوميديين الذين يرون بأن المونودرما هي مسرحية متكاملة يؤديها شخص واحد، وتتوفر فيها كل شروط المسرحية الكلاسيكية، من مخرج ونص وخلافه، أما الوان مان شو فهو عمل فردي يعتمد على الضحك والسخرية، يربط فقراته خيط رفيع، أما المونولوج حسب فهم وشرح هؤلاء المسرحيين والكوميديين في الكثير من المناسبات فهو الأداء الفردي من خلال مسرحية ما.
نكتشف من خلال ما ذكرنا بأن الأشكال الفنية المسرحية المذكورة تختلف في التعريفات والفهم، كل جهة تجتهد لإيجاد التعريف الذي تجده مناسبا لتوجهها، لكننا لو أمعنا النظر جيدا سنجد هذا التداخل والتنافر في نفس الوقت، إذ كان المونودراما كما ذكرنا هو عمل مسرحي متكامل، إذا الوان مان شو لا يكون متكاملا والمونولوج كيف يكون، ونستنتج بأن العمل إذا كان مونودراميا لا يجب بأن يكتنفه الضحك والسخرية بحكم بأنها ميزة الوان مان شو، وكيف يكون المونولوج الأداء الفردي والمناجاة من خلال أي مسرحية، كيف يتم تفسير هذا والمونودراما والوان مان شو متن كل لون فيهما يعتمد على المناجاة.
من خلال هذا الخلط الواضح نستخلص بأن العالم العربي بحاجة ماسة إلى هيئة عربية حقيقية ومفعلة للمسرح، تقوم بتقديم تعريفات معينة لكل لون ومصطلح مسرحي، وفق منهج علمي مدروس، يتم من خلاله ذكر كل الآراء والاختلافات، مع إبراز رأي الهيئة التي تتكون من خبراء وأستاذة وكوميديون في المسرح، وعليه مع الوقت تتفادى الكثير من المسارح فوضى التعريفات والمصطلحات.