تغيير العالم عن طريق الأفلام

الجسرة الثقافية الالكترونية

في كل عام تتجه أنظار العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية و بالتحديد لوس أنجلوس، مسرح كوداك، حيث يرقب الجميع بشوق بالغ من المنتصر في معركة ديمقراطية بين أفضل الأفلام، أفضل المخرجين و أفضل الممثلين. هذا الترقب الغريب يمتد طبيعيا من أمريكا إلى بلدان تتماهى ثقافيًا معها مثل بريطانيا أستراليا و فرنسا، بلدان صدّرت ممثلين و مخرجين و أفلام تمّ الاحتفاء بها في أمريكا من ثلاثينثات القرن الماضي إلى الآن. إلى بلدان تعاكس أمريكا على المستوى الفكري و الثقافي وصولا إلى المستوى الديني كإيران و الوطن العربي، و السؤال الذي يطرح نفسه من هذه الناحية، لماذا كل هذا الاهتمام و الترقب الذي وصل إلى حد شراء حقوق البث من قبل قنوات عربية و مشاهدة الحفل مباشرة رغم فارق التوقيت الكبير و الذي يصل إلى حوالي تسع ساعات في المتوسط.

   من الوهلة الأولى يمكن تقفّي السبب إلى أنّ العرب أو غيرهم يعيشون حالة فضول كبير حول كل ما هو غربي عمومًا و أمريكي خصوصًا و في هذه الحالة تمثل الأفلام الوجهة الأولى لكل باحث أو مهتم بالثقافة الأمريكية. لكن المتعمق في البحث و التمحيص قد يصل إلى نتائج و أسباب أخرى، أولها أنّ العالم العربي بكل مكوّناته قد انفتح على العالم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها، و في هذه الحالة الثقافة الغريبة التي كانت في السابق تمثل تهديدًا صريحًا للقيم العربية و الإسلامية لم تعد كذلك و غطاء التهديد الذي كان يلفها عري تمامًا أمام الفهم الذي أحدثته هذه الوسائل و قنوات التواصل التي فتحتها من دون رقيب أو حسيب، و الأهم من ذلك من دون أحكام مسبقة.

   و بالتالي إنتفت الحاجة إلى الوسيط المترجم الذي كان في السابق يغلف كل آتي من الغرب بغلاف الرّيبة و الشك، و في الجهة المقابلة نجد السينما الأمريكية و قد انفتحت شهيتها على كل ما هو شرقي و غريب ( بحسب القيم الغربية بالطبع) و أصبح الجمهور الأمريكي في حاجة إلى تلمس كل جديد حتى إن لم يفهم كل جوانبه. أفلام مثل “أمير فارس” و” 300” على سبيل المثال مهدت الطريق للجمهور الغربي لتفهم الحضارة الفارسية. هذا الفهم و إن كان ناقصًا في البداية أو حتّى مغلوطًا كان سببا و إنّ بنسبة صغيرة في الانفتاح الحاصل بين إيران و الغرب. هذا الانفتاح رسم أكثر بفوز الفيلم الإيراني ”انفصال” بجائزة الأوسكار لأفصل فيلم أجنبي عام 2012. و المرجو هو أن يحدث ذلك مع الأفلام العربية و أن ينتج تفاهم عميق بين العرب و أمريكا،  على المستوى الثقافي أوّلًا و السياسي ثانيًا و ما يتبع ذلك من تفاهمات قد تخرج العالم العربي من بؤرة النزاع العالمي للأبد، و ذلك ممكن الحصول طبعا، فأفلام المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد تحفر كل يوم مكانة في وجدان المتلقي الأمريكي و تزيل الصورة النمطية للمناضل الفلسطيني أمام همجية الاحتلال الإسرائيلي، و لحدّ الآن ترشحت أفلام  أبو أسعد مرتين و من يدري قد يفوز في المرة الثالثة. و جهود قطر و دبي تحسب في هذا المضمار أيضًا مع دخول الإمارتيين مجال الإنتاج بأفلام ضخمة الإنتاج و مع مخرجين مرموقين و ممثلين معروفين.

   مثل هذه الجهود بطيئة النتائج لكنها مضمونة العواقب، و التغيير ممكن لكن مع صبر قوي، و البصيرة مطلوبة و المهم أن نفهم أنّ أمريكا دولة مثل غيرها بها شعب مثل غيره من الشعوب، قابل للتأثير و التغيّر مثلنا مثله.

الجزائرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى