تقوقع الفنانين يصيب المشهد الإبداعي في مقتل

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أشرف مصطفى

المصدر: الراية

 

 

معاناة المبدعين لا تنتهي في كل زمان ومكان، وربما تلك المعاناة هي التي يتمخض عنها الإبداع، لا سيما أن الفنان دائمًا ما يكون استشعاره للأزمات أكثر عمقًا لبحثه الدائم في التفاصيل، وتحاول  الراية  قدر استطاعتها من خلال هذه الزاوية، مناقشة أهم أزمات الإبداع، فتستعرض ما يطلبه الفنانون في كل حلقة، واليوم نستضيف فنانًا ينتمي إلى أحد أشكال الإبداع الذي يمثّل منافسًا قويًا لكافة أشكال الفنون الأخرى لما له من أرضية خصبة للنماء عليها من حيث عدد الفعاليات والفنانين المنتسبين له، وهو الفن التشكيلي الذي على الرغم من ازدهاره بشكل واضح على الساحة الثقافية القطرية إلا أنه يعاني حسب وجهة نظر الفنان أحمد المسيفري من تقوقع كل مجموعة من الفنانين داخل أنفسهم، ما جعله يرى أن ذلك الأمر كفيل بإصابة المشهد الإبداعي في مقتل، وتمنى تكاتف جميع المبدعين والابتعاد عن الفرقة والتشتت، فضلًا على ضرورة تفعيل المواد الفنية بالمناهج الدراسية بما ينمي الحسّ الإبداعي لدى الطلاب، والعديد من الأمنيات خلال هذا اللقاء.

 

 

 

حالة تشتت

 

في البداية، أكّد الفنان أحمد المسيفري أنه في الوقت الذي يشهد فيه الفن التشكيلي القطري طفرة كبيرة، لا تجعل الفنان المحلي يلقى أي صعوبات في البحث عن فرصة لإظهار مواهبه وإبداعاته التشكيلية إلا أن هناك حالة تشتت سببها انشغال الفنانين بالآخرين أكثر من أعمالهم الإبداعية، مؤكدًا أن الأمر بحاجة إلى العمل معًا بدلًا من تكوين تكتلات ومجموعات مغلقة يعمل داخل كل واحدة منها عدد من الفنانين بشكل منعزل عن بقية زملائهم، وقال في الوقت الذي يبدو المشهد التشكيلي هو الأكثر حيوية في الساحة الثقافية القطرية، ينقصنا عدم تقوقع كل مجموعة من الفنانين داخل أنفسهم، وتمنى تكاتفهم جميعًا لمصلحة الفن التشكيلي والعمل تحت مظلة واحدة وليستمرّ العمل من قبل الجميع من أجل التشكيل القطري ورفعة الوطن، وأضاف: هناك من يقف بالطبع خلف هذه الحيوية، فهناك جهود إدارية تُبذل من قبل المؤسسات القطرية، سواء كانت حكومية أو متمثلة في الجاليريات الخاصة التي تلعب دورًا هامًا على الساحة التشكيلية باعتبارها شريكًا أساسيًا في هذا المشهد، ويتضمن ذلك التشجيع إقامة المعارض ورعاية الفنانين، وتأمين مشاركاتهم الخارجية، ولعل الدعم غير المحدود الذي توجهه الجمعية القطرية للفنون التشكيلية لفنانيها كان عاملًا مهمًا في ذلك، وكذلك مركز الفنون البصرية التابع لوزارة الثقافة والفنون والتراث، وغيرهم من الجهات، وعلى الفنانين الاجتهاد والاستغلال الجيد للجهد الكبير الذي تبذله الدولة في مجال الإبداع.

 

 

 

التوعية بدور الفن

 

وطالب المسيفري المؤسسات المعنية بالعمل على تقديم المزيد من التوعية للمجتمع بأهمية الفن التشكيلي والارتقاء بالذوق العام وأولى تلك المؤسسات المعنيين بالتعليم الذي رأى أنه الأولى بتثقيف الأطفال فنيًا، مشيرًا إلى أن عدم تفعيل المواد الفنية بالمناهج الدراسية أدى إلا ضمور الحس الإبداعي، حيث يرى المسيفري أن إلغاء مادة التربية الفنية من المدارس يعتبر أحد أهم المؤثرات سلبيًا على الوعي الفني والثقافي وعدم الارتقاء بالذوق العام، وأشار إلى أن غياب الأنشطة الطلابية التفاعلية وتعليم الفنون أضر بالحركة الفنية عمومًا، لأن ذلك هو الكفيل بتكوين جمهور في المستقبل فضلًا عن كونه أحد وسائل التفريغ لطاقة الأطفال، ووسيلة فاعلة لاكتشاف المواهب المبدعة، كما طالب كافة المؤسسات الثقافية بإقامة تظاهرات فنية موجهة للجمهور من خلال إشراكه بشكل مباشر بهدف تثقيفه فنيًا ودفعه للتفاعل مع الأعمال الإبداعية، بالإضافة لإقامة ندوات وورش تقيم حوارًا مباشرًا بين الجمهور والفن.

 

 

 

استغلال الفرص

 

وعن أهم النصائح التي يقدمها المسيفري لكل من يهوى الفن ويريد وضع اسمه على قائمته، قال: بقدر أهمية توفر الموهبة إلا أن هناك أشياء أخرى من الضروري أن توجد في الفنان من أجل تحقيقه للنجاح، فعليه صقل موهبته والعمل على تطويرها من خلال الدورات والورش والإطلاع والممارسة، ومن الملاحظ أن هناك العديد من الموهوبين الذين يمتلكون ملكات إبداعية عالية لكنهم لا يستطيعون تحقيق النجاح، ويعود ذلك لعدم القدرة على تسويق موهبتهم، فتعلم تسويق الإبداع ضرورة فنية، والموهبة وحدها لا تكفي، فالفنان بلا شك يحتاج إلى استغلال الفرص التي تقع أمامه باستمرار والتي يسعى أحيانًا لخلقها لنفسه من خلال تكوين العلاقات والوجود في المحافل الفنية في إطار محاولاته الأولية في التعريف بالذات، كما يجب أن يسعى لتعلم الكثير من الأمور التي تثري شخصيته كحضور الورش في المجال التشكيلي، والقراءة التي تصقله كتشكيلي، فالفنان يحتاج إلى وعي خاص وأن يكون مطلعًا ومثقفًا حتى يستطيع أن يصبح مبدعًا صاحب رسالة.

 

 

 

اللوحة الواقعية

 

وعما يراه ضروريًا لتقديمه أكثر من غيره على الساحة الإبداعية لجذب جمهور الفن التشكيلي إلى المعارض، أكّد أن اللوحات الواقعية أقرب لفهم المتلقي من أي أسلوب فني آخر، خاصة لغير المتخصصين، كما أنه يقدم الجمال الموجود في الطبيعة والحياة، وهذا أمر مهم للغاية، لأنه إلى جانب اعتماده على جماليات الطبيعة التي لا يمكن أن يفوقها أي شيء، يعتبر أيضًا توثيقًا للواقع ورصدًا له من منظور فني، وقال: على الرغم أنني مررت في حياتي الفنية على كثير من المدارس الحداثية، لم أستسلم أبدًا لإغواءاتها، لكنني اجتهدت في أن أستفيد من تقنياتها، وعمومًا فإن الفن الواقعي ليس تسجيليًا كالكاميرا، فهو يطرح شخصية الفنان ولونه الخاص على الرغم من تقديمه للواقع ولكن بحالة تعبيرية تخصّ الفنان ورؤيته الخاصة.

 

 

 

استخدام الموروث

 

وعن بداياته أوضح المسيفري أنه بدأ الرسم وهو مازال طفلاً في الصف الثالث الابتدائي، ودفعه عشقه لهذا الفن لمسك فرشاة الزيت منذ كان في الصف الأول الإعدادي، وعلى الرغم من صعوبة ذلك على صبي صغير في تلك المرحلة العمرية، لكن الإصرار دفعه لتخطي مرحلة القلم الرصاص مبكرًا، فالهواية بدأت معه منذ طفولته، حيث تعلم الظل والضوء بالرصاص ورسم الواقع بالإحساس الفطري، ثم انتقل سريعًا لمرحلة الزيت. وأثناء ذلك تأسس على حب التراث، بصفته ابن هذه البيئة، فراح يجسد مفرداتها في لوحاته، وربما لم يسمح له سنه بمواكبة ومعايشة مراحل تاريخية قطرية، كان سائدًا فيها بعض الموروثات، لكنه كان يستدرك ذلك بالبحث والتنقيب والدراسة التي تكشف عن تفاصيل دقيقة تساعده في إبداع لوحاته لنقل هذه الجماليات التراثية ونقلها إلى اللوحة، وبالتالي توثيقها.

 

 

 

الاتحاد الخليجي

 

وعن دوره كإداري يرى الفنان أحمد المسيفري أنه في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الأعمال الإدارية قد تأخذ من وقت المبدعين إلا أنها إذا كانت في صلب المشهد الإبداعي فتصب في صالح الفنان، فهو يجعله دائمًا في قلب المشهد ويزيد من احتكاكه الفني، ويعطي له خبرات أكثر من التي يمكن أن يلقاها وهو يمارس إبداعه في قاعات مغلقة وبعيدًا عن الاحتكاك مع الفنانين الآخرين، وقال: أرى أن وجودى كمنسق لاتحاد الفنانين الخليجيين في صالح إبداعي، وحافز قوي لي على مواصلة إبداعي وسط نخبة من الفنانين الرائعين المنتمين للاتحاد، وسيفتح لي أبوابًا كثيرة أهمها الاحتكاك المباشر والمستمر، كما أنني أرى أن نجاح الفنان لا ينحصر فقط في إنجاز أعمال إبداعية خاصة، لكن المساهمة في إبراز الفن والعمل على تحفيز الآخرين وتشجيعهم في تزويد الساحة الإبداعية بفن متميز والارتقاء بالتشكيل نجاح أيضًا. وأضاف: أنتظر الكثير من هذا الاتحاد في الفترة المقبلة ويتم العمل الآن على قدم وساق لتقديم الجديد للساحة التشكيلية الخليجية، ولكن النجاح سيتجلى بحجم التنسيق الذي سيتم داخل الاتحاد بتقديم عدد متميز من الفعاليات التي سيتضح معها إبداعات التشكيليين الخليجيين أنفسهم والتضافر مع الجمعيات الخليجية لتقديم أقصى استفادة لأعضائها، وبلا شك فإن نجاحات زملائي من التشكيليين التي ستتوالى عبر أنشطة الاتحاد ستكون الكفيل، إنني لم أهدر وقتي بالمجان، حيث إن أي نجاح يحققه هؤلاء الزملاء هو نجاح يعمّ على الساحة التشكيلية الخليجية بأكملها والتي أمثل فردًا فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى