تنوير في زوايا الاسلام المسروق / محمد المعايطة

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
منذ الخلق الأول للعقل البشري، قام هذا الأخير على طرح العديد من الأسئلة ليستطيع ادراك وفهم ما يجول حوله.
وبمجرد أن تضع السؤال في خانة الغيبيات، فأنت جمدت العقل وكسرت حافزه للمعرفة، فيبقى في حيزه الخائف من عقاب المقدس الغيبي.
وهذا من أهم الأسباب تحديداً في الدين الإسلامي، أو بالأصح ما صنعه فقهاء وعلماء الدين، والذي قتل أي محاولة لتفسير علمي يبسط اللامحسوس الروحاني.
دعونا نقدم أحد أهم الأمثلة والنماذج على قيد وخيبة العقل البشري في البحث عن الغيبيات، التي توصل لحقيقة ومعرفة، ولا توصل الى النار كما يقولون بمجرد محاولة البحث بها.
الصلاة..
دعونا نبحث قليلاً بمعنى الإيمان الحقيقي، بالخروج عن التعريفات الاصطلاحية التي عهدناها ودرسناها وكانت نتظيرية ساعدت في ربط يدي العقل البشري.
لو بدأنا هنا من حيث بدأنا هناك على مقاعد الدراسة، وقلنا هو الإعتقاد الجازم بالشيء، والتسليم به وبوجوده، اذا الايمان بالله هو الاعتقاد والتسليم لله تعالى وبوجوده وقوته، وهذا الأمر يستلزم رؤية قلبية كاملة للذات الإلهية وصفاتها.
وفي أحد الأحاديث النبوية الشريفة بما معناه ” هو أن تعبد الله كأنك تراه”، كيف ذلك..؟ كيف ترى الله الغائب عن البصر.. المتجلي في البصيرة.
ليس لنا هنا إلا الإحساس الكامل به……… والإيمان هو الاحساس بوجود الله المعتقد والمسلم به.
في الديانات الثلاث فُرضت الصلاة على المؤمنين حتى ولو كان هناك اختلاف بطقوسها..
لماذا النبي محمد عليه الصلاة والسلام في سنته أقر بأنها عامود الدين وركنه الأساس الذي لا يصح الدين الا بها.
أركان الإيمان تبدأ بالإيمان بالله أولاً… وأركان الاسلام تبدأ بشهادتك انه لا إله الا هو وبأن محمد النبي رسوله ونبيه..
جميل..
دعونا نخرج الصلاة من كونها الفرض الديني المقدس الذي سيعاقبنا الله عليه في حال تركناه بأن يبعث لنا “الشجاع الأقرع” وغيره من الوحوش المخيفة القاهرة.. ونعود بها إلا فكرتها الأولى بأنها أساس الدين.. لماذا هي أساس الدين..؟
الصلاة إن كانت اساس الدين إذاً هي مدخله، وإقرار منك بإيمانك بالله ونيتك بالتواصل معه.
وشرط الصلاة الأول هو الخشوع، ونعرف بأن المعظم في صلاتهم يكونون في حالة تشتيت ذهني كامل فيها.
اذا كيف تصل لحالة الخشوع والاحساس بأنك بين يدي الله بشكل فعلي وحقيقي وليس بأنها مجرد فرض وواجب عليك التخلص منه..
تعود هذه المشكلة بفهمنا الخاطئ بتصوري عن فكرة الصلاة نفسها وتعريفها والمعرفة بها منذ أجيال.
لماذا لا تكون طريق التأمل للتواصل مع الله، نعرفها بأنها هي “اليوغا” في الدين الاسلامي، وترجمة كلمة “يوغا” الى العربية تعني “الصلاة”.
واليوغا قائمة على التأمل من خلال حركات معينة وبسيطة لها علاقة بالاستخدام السليم للجسد، للتخلي عن البعد المادي البشري والتواصل مع البعد الروحاني الإنساني.
والصلاة في الاسلام -التي هي يوغا – تهدف أيضاً لتخلي الانسان عن بعده المادي للدخول في بعده الروحي للتواصل مع الله، وبدأ رحلة الإيمان فيه، لتكون معتقداً بطقسك الديني من خلال رؤيتك القلبية لله في بداية الأفعال التي تعبر بها عن ايمانك به وبهذا الدين.
حالة تنظيمك لنَفَسِك وتأمل ما تقوم به من حركات جسدية محسوبة تعمل على التصفية الذهنية الخالصة في حال قمت بها بشكلها الصحيح.
فرفع اليدين في بداية الصلاة للتكبير، بها حركة موجهة لتوسيع تجويف الصدر، وبكلمة “الله” تسحب القدر الكافي من الهواء وبقولك لكلمة “أكبر” فيها الزفير باخراج الهواء، لتبدأ أولى خطوات تنظيم التنفس من خلال اولى حركات الصلاة. وهذه الوضعية في اليوغا تسمى “تاد أزانا”.
الركوع وضعية تنقل الهواء من الصدر الى جانبي الجسم من أربع زوايا وفي اليوغا تعرف باسم “يوتانازانا”.
وكذلك بوضعيات السجود والتشهد وغيرها، وقراءة الآيات القرآنية وتقطيعها كما جاءت في القرآن الكريم، تعد دفقات منتظمة للتنفس.
كل هذه اليوغا التي يمارسها المسلم لمدة خمسة مرات يومياً، كفيلة لوحدها لإعطاء هذا الصفاء الذهني لدخول حالة الخشوع والقدرة على التواصل مع الله بشكل سليم وهو غاية الصلاة، لذلك كانت هي اساس الدين، ومن يستطيع الوصول لهذا المكان في الصلاة، ستطغى عليه تعاليم واخلاقيات الدين التي أمر بها الله بشكل كامل.
لم يفهمونا هذه المسألة على هذا النحو… حتى بأكثر علماء المسلمين الأجلاء علماً وفقهاً كان تعريفه لها بأنها “الوقوف بين يدي الله” و “ابداء الخشوع له” وبأنها “سنة مباركة”، كما جاءنا عن الرسول محمد عليه السلام، وكلها تعاريف منقوصة ان جاز التعبير لا تصف او تعرف الصلاة بشكلها الحقيقي الكامل، وتبعدك عن المعنى المطلوب لها.
وقد لا يختلف من يسمون أنفسهم “بفقهاء” الدين الإسلامي الحديثين والقدماء أيضاً، عن الشعوب السومرية والاغريقية وغيرها في تفسير الظواهر المادية الخارجة عن منظور العين وملمس اليد، والمتأصلة بالروح صعبة التفسير، سوى بتفاسير خرافية غير واضحة أو مقنعة تتعلق بآلهة كثيرة قادرة على هذا الفعل. ومجرد محاولة تقديم تفاسير لهذه المسائل دليل كاف على وجودها وقلق العقل البشري بها.
فدوام تفسير المجهول بالغيبي هو السبب الرئيسي في عدم اتقاننا وفهمنا له.
ولا نجد أبداً تعريفاً حقيقياً لها ولآليتها..
اذا هي الدخول الصحيح في الحالة الروحانية للمؤمن للتواصل مع الذات الإلهية العليا، من خلال حالة تنظيم النفس وتنقية الحالة الذهنية تماماً كما في اليوغا. وبهذه الحالة تستطيع الوصول الى القضية الأهم في الصلاة وهي الخشوع أي الإحساس الكامل بأنك بين يدي الله.
اذا نظرت بعد هذا الشرح المبسط الصغير الى أي مرآة في بيتك… ستبتسم وتقول كم أنها جميلة..
كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يقول لبلال بن رباح مؤذن المسلمين وقتها “أرحنا بها يا بلال” ربما عرفت الآن لماذا أرحنا بها يا بلال.. لا راحة تساوي أن تكون واقفاً بين يدي الله.. الآن تقول هذه العبارة أنت تعلم أن الصلاة هي وقوفك أمام الله فعلاً بشكل كامل.. بعيداً من أنها عبارة متداولة بين الخطباء وأئمة المساجد…
اذاًهي ليست مجرد طقوس كهنوتية وثنية يقوم بها الفرد المسلم، فهي تقضي بهذه المعرفة والإحساس الكامل الذي تحدثنا عنه، اذا هي نشاط ديني وعقلي ليس بوثني أبداً، تكون ماثلاً من خلاله أمام سر الحياة الأكبر.
لذلك إن شاء الفقهاء أو علماء الدين، الحديث والتفسير بلغة العلم، يجب أن يقيموا مناهجهم ويعيدو صياغتها، يجب عليهم أن يستردوها من فم المثلوجيا والغيبيات. فلو تناظر أي منهم مع أي عالم مادي يؤمن فقط بالعلم لن يستطيعوا إجابته بأحدايث نبوية تقع في كف الحفظ لا الفهم..
ربما هي محاولة في قرآءة جديدة للدين الاسلامي، بدون تشريعات الغيبي المحلل والمحرم، زاويا جديدة أشعلها المفكر الليبي الصادق النيهوم في رأسي. لإخراج الدين من سحريته وضروب المثلوجيا إلى مكان أقرب لنا عقائدياً وإنسانساً.