ثلاث تجارب رومانسية إماراتية في موضوع “الحب”

الجسرة الثقافية الالكترونية –

محمد ولد محمد سالم:
اللافت في الكثير من الروايات الإماراتية الصادرة هذا العام هو انصرافها الكلي إلى موضوع “الحب” خصوصاً روايات الكتاب الجدد، ومن الطبيعي أن الرواية بما هي معالجة لحياة الإنسان لا يمكن أن تخلو من حديث عن الحب أيا كان شكله، وقد تكون روايات الحب من أجمل الروايات التي كتبت في العالم، لكن الحياة واسعة ومتشعبة، وتزدحم بالمواضيع التي قد تكون أهميتها الوجودية تضارع أهمية الحب في حياة الإنسان، بل تفوقها، ولا يخلو مجتمع مهما بلغ من تلك المواضيع، فهل هي صدفة عابرة أن تتظاهر روايات عدة على موضوع “الحب”، أم هي موجة جديدة من الكتابة المعبرة عن حالة اجتماعية وحضارية يعيشها الكاتب الإماراتي وبماذا يمكن تفسير هذه الموجة؟
تتفق ثلاث روايات صدرت في الأشهر الماضية على موضوع واحد هو “الحب”، كما تتفق في كون كل منها هي الرواية الأولى لكاتبها، وهي “قميص يوسف” لفيصل سلطان الرميثي، و”رجل بين ثلاث نساء” لعبيد إبراهيم بوملحة، و”حدث في الجامعة الأمريكية” لوفاء أحمد، فهذه الروايات اتجهت لهذا الموضوع وما ينسج حوله من علاقات، وما يتخلله من وفاء وخيانة وخضوع وتمرد وعشق وكره، وما يستخدم فيه من وسائل مادية وثقافية وغيرها، فرواية “قميص يوسف” تقدم سيرة حياة “يوسف” الذي نشأ في إحدى المدن الصغيرة في وطنه، كان أبوه قاضياً تزوج من امرأة مصرية فأنجبت له يوسف، ونشأ يوسف نشأة عادية، وقد ارتبطت حياته بابنة خالته علياء التي تكبره بتسع سنوات، التي رعته منذ كان صبياً في المهد وحتى أصبح شاباً موظفاً، ولم تبخل عليه بالمال والحنان، وكان يجدها دائماً إلى جانبه مستعدة لمساعدته في كل صعوبات حياته، ولما تخرج وتوظف أدرك أنه يحبها وأن عليه أن يكافئها على جميلها نحوه فتزوجها، ولم يلبث أن حظي بفرصة للعمل في العاصمة في وظيفة سامية وبراتب كبير، فانتقل إلى العاصمة وهناك بدأ مغامرة جديدة مع “مي” التي سيتزوجها من دون علم من زوجته وبناته اللواتي تركهن في مدينته، لكنّ زواجه بمي سينتهي بشكوك، بعد خروج زوجها الأول من السجن ومطالبته لها بالعودة له، فيجد يوسف نفسه مضطراً إلى طلاقها، قبل أن يصل الخبر إلى زوجته الأولى، وقد خرج من تلك التجربة بقرار ترك العمل في العاصمة والعودة إلى مدينته وزوجته التي أنجبت له في تلك الآونة ولداً كان متلهفا على إنجابه لأنه لم يكن لديه إلا البنات .
خلاصة ما قدمه فيصل الرميثي هو مغامرة رومانسية لرجل عاش حياة أولى متواضعة وعادية، ثم انفتحت له أبواب حياة الليل ومغامرات الغرام بعد أن وجد النقود تجري في يديه، ثم ما لبث أن تكشفت له الخديعة الكبرى التي وقع فيها فعاد إلى زوجته وبناته، وربما كان يمكن للكاتب بقليل من التحريف أن يعمق روايته إلى مواجهة بين عالمين ومفهومين للحياة يلعب فيهما المكان والقيم والمال والعلاقات البشرية أدواراً قوية إلى جانب الحب، لكن انصرافه لعلاقات الحب وحدها قلل من عمق تلك المواجهة .
في رواية “رجل بين ثلاث نساء” يسافر أحمد ابن الأسرة المحافظة التي احتضنته بحب وعاش بين أفرادها أجمل لحظاته، إلى أمريكا، لمواصلة دراسته العليا، وهناك يتعرف إلى أسرة “أبو محمد” فتكون له كأهله، وتحتضنه بالحب والمساندة، ويعجب بابنتهم “ترنيم” التي وجد فيها كل معاني الود والقرب والمساندة، ووجد في تصرفاتها الفتاة الصادقة المستعدة لخدمة كل من حولها، وضاعفت عنايتها الفائقة به إعجابه بها، وحين أراد العودة في أول إجازة حمّلته هدايا إلى أهله، وعزم على أن يصارحها بحبه لها حالما يعود من إجازته، لكن الموت يعاجلها فيفقد الحب وبريق السعادة الذي يشعر به .
بعد “ترنيم” ومأساة الفقد، يتزوج أحمد من إيمان زواجاً عادياً، كأنما أراد به أن يسلو عن عذاباته، لكنّ طيف ترنيم ونموذجها كفتاة تحمل كل صفات الجمال الخلقي والخلقي يظل يسيطر عليه حتى يسقطه على أول فتاة شبيهة بها “ليلى” التي تلعب به حتى توقعه في حبها، ثم تجره إلى عالم أسود فاسد عاش طول عمره بعيدا عنه، ولكنّ حادثة كادت تودي بحياته تعيد إليه عقله فيعرف حقيقة تلك الفتاة المستهترة، ويعرف قيمة زوجته التي تحبه .
تتشابه رواية عبيد بوملحة مع رواية الرميثي في الخط الرومانسي العام (الزواج، الغواية، اكتشاف الخطأ والعودة للزوجة)، وتتقاطعان في إغفال الخيوط الأخرى المؤلفة لحياة الإنسان وما يمكن أن تلعبه من دور، وتجلبه من عمق للسرد الروائي .
ولا تبعد رواية “حدث في الجامعة الأمريكية” عن جو الروايتين السابقتين، فريم الشابة التي تخرج من سن المراهقة وتخطو أولى خطواتها في اتجاه الجامعة، تتعرف إلى الشاب حمدان حين تقدم لنجدتها خلال حادث عابر صدمت في سيارتها سيارة أخرى، فيتولى حمدان كل شيء عنها كأنه أخوها، فتعجب به، ثم تكتشف أنه يدرس معها في الجامعة، وأن أخاها كان على علاقة حب مع بدور أخت حمدان قبل أن تتزوج بدور، وكانت ريم قد خطبت في الصيف الذي سبق ذلك لرجل ثري يكبرها بست عشرة سنة، وعبر كثير من الأحداث والصدف الغربية تزداد ريم تعلقاً بحمدان وعشقاً له، ويتخرّج ويحصل على عمل، وتبتهج بذلك، ثم يبدأ حمدان في مغامرة مع فتاة أخرى وتكتشف ريم ذلك فتغضب منه، وبعد ثلاث سنوات من الخطوبة يقرر خطيب ريم إكمال الزواج ويأخذها إلى لندن، وهناك تعيش تعيسة مع زوجها، لكن المصادفة أيضاً سوف تجد لها وسيلة لإقامة صداقة بين حمدان وسعود أخي زوجها ما يسمح له بالتواجد معها في المنزل نفسه في لندن، ثم يصاب حمدان في حادث فتحترق عليه سيارة زوج ريم التي كان يقودها، وتفقد ريم حبيبها إلى الأبد .
واضح من سرد الأحداث أن انشغال الكاتبة بعلاقة الحب بين ريم وحمدان أنساها كل شيء آخر، حتى طغت على الرواية الصدف غير المبررة .
ربما نحتاج إلى وقت ومتابعة لكل ما يكتب من روايات خلال سنتين أو ثلاث لكي نحكم بأن هذا التوجه إلى الكتابة الصرف عن الحب هو موجة أو تيار أدبي، وحتى يحدث ذلك فإن ما يمكن أن نجزم به الآن هو أن هذه التجارب هي تجارب أولية لكتاب شبان، ومن شأن تجارب الشباب أن تنصرف نحو الحب، لأنه موضوع أساسي في حياة الشباب وقضية مصيرية بالنسبة لهم، كما أن التجارب الأولى تظل فيها نواقص البدايات، وذلك جلي من خلال عدم قدرة الكتّاب الثلاثة على إدخال موضوع الحب في تشعبات الحياة وربطه بمشكلات الإنسان وقضاياه الأخرى المهمة، حتى تكون الصورة أعمق وأكثر دلالة، وكل ذلك أدى إلى أن يكون موضوع الحب بارزاً في تلك التجارب – 

الخليج الثقافي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى