جائزة «المعهد الفرنسي للتصميم» للمعماري شفيق قاسمي

أوراس زيباوي
مرة أخرى يتأكد الوجه المبدع للمهاجرين في فرنسا، على الرغم مما تعنيه اليوم مسألة الهجرة في العالم من معان سلبية. شفيق قاسمي المعماري ومهندس الديكور الداخلي والمصمم الجزائري، لمع نجمه في العاصمة الفرنسية منذ سنوات. وها هو المحترَف الذي يحمل اسمه يفوز بجائزة التصميم التي يمنحها سنوياً «المعهد الفرنسي للتصميم». وجاءت هذه الجائزة تتويجاً للتصميم الذي أعده لدار «لانكوم» العريقة، المتخصصة في مستحضرات التجميل في متاجر «برانتان» (Primtemps) الشهيرة الواقعة في جادة أوسمان في باريس.
وليست هي الجائزة الأولى التي ينالها شفيق قاسمي منذ بداياته عام 1987، فقد سبق أن نال عام 1992 الجائزة الكبرى في «صالون الأثاث» في باريس، وتوالت بعدها النجاحات فصارت تصاميمه للهندسة الداخلية والأثاث معروفة عالمياً، حتى أنه كُلّف عام 1996 بإعداد الهندسة الداخلية لمحلات «سيفورا» المتخصصة في بيع مستحضرات التجميل في جادة «شانزيزليزيه» الباريسية. وقد سعى من خلالها لأن يكون مجدداً فركّز على عنصر الفراغ مستوحياً من التجاويف الداخلية للكاتدرائيات.
شفيق قاسمي المولود في الجزائر عام 1962، جاء الى فرنسا عام 1977 وهو في الخامسة عشرة من عمره واستقر مع عائلته ودرس الهندسة المعمارية. وعلى الرغم من الصراع التاريخي بين فرنسا والجزائر وولادته في العام الذي حصل فيه وطنه الأول على استقلاله، فهو لم يعان، على حد تعبيره، صراع الهويات، بل على العكس كان سعيداً بالتنوع الثقافي الذي حمله معه من الجزائر.
وقد منحه هذا التنوع توازناً شخصياً وقيماً إنسانية رافقته طوال مسيرته الفنية. وبعد نجاحه كمدير فني في متجر «سيفورا» في باريس، تولّى أيضاً الإدارة الفنية لمتاجر «سيفورا» في مدن أخرى ومنها نيويورك وبرشلونة، ما فتح له أبواب التعاون مع دور أزياء راقية ومنها كريستيان ديور وغيرلان وكينزو. وخلال عمله مع شركة «باكارا»، صمم شفيق قاسمي ثريا من الكريستال لصالون فندق الخمس نجوم «كورنثيا» الذي افتتح في لندن عام 2011 بعنوان «بدر أو Full Moon». وحققت هذه الثريا نجاحاً كبيراً بسبب حجمها وأسلوبها المبتكر واعتمادها على تقنيات جديدة غير معروفة في التعامل مع مئات قطع الكريستال يطريقة شاعرية وجمالية مبهرة. وفي إطار الحديث عن عمله مع شركة «باكارا» العالمية، لا بدّ من التذكير بأنه، بالإضافة الى تصميم الثريات، بذل كل ما في وسعه لتجديد روح هذه الشركة العريقة التي كانت في الأصل مصنعاً ملكياً للزجاج تأسس في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في زمن الملك لويس الخامس عشر.
تتنوع تصاميم شفيق قاسمي، وتشمل قطع الأثاث والثريات وأغلفة أدوات التجميل كأحمر شفاه لانكوم… وعلى الرغم من استقراره في فرنسا، فإن صلته بالجزائر لم تنقطع يوماً. وقد أعاد تجديد مبنى «متحف الفن الحديث» في الجزائر الذي شُيّد عام 1909 على الطراز الأندلسي وأعيد افتتاحه عام 2007 في إطار النشاطات المرافقة لـ «الجزائر عاصمة للثقافة العربية».
وبعد عام من افتتاحه، أقيم في هذا المتحف معرض للتعريف بنتاج شفيق قاسمي منذ بداياته. كذلك ساهم في الهندسة الداخلية لمبنى وزارة الخارجية الجزائرية ومن ضمنه مكتب الوزير والساحة الخارجية المفتوحة.
تؤكّد تجربة شفيق قاسمي الناجحة جانبين أساسيين، الأول ذاتي والثاني موضوعي.
ويتمثل الجانب الذاتي في المبادرة الفردية وفي الإنجاز الذي حققه الفنّان خارج بلاده، أما الجانب الموضوعي فيتجلّى في انفتاح بعض المدن العالمية، ومن ضمنها باريس، على التجارب الإبداعية الآتية من وراء الحدود، فتصهرها في بوتقتها الفريدة قبل أن تطلقها في فضاء العالمية، وتبطل عندئذ الفواصل بين الهويات والجنسيات المختلفة. إنه، إذا جاز القول، الجانب الإيجابي من ظاهرة العولمة في زمن التقوقع والانغلاق وصعود العصبيات القاتلة.
(الحياة)