جاسم الزبيدي .. عدسة ترسم لوحة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 د. علي حسون لعيبي

 

 

فن التصوير الفوتوغرافي عالم جميل في دنيا الثقافة والفن، من خلاله نرى التاريخ، والسلوك… اشخاص ومدن. هو ليس تصوير الامكنة بشكلها المجرد، انما هو الدخول لخفايا ما وراء الصورة، وجعلها تتكلم معنا.

 

وهكذا هو جاسم الزبيدي الفنان الفوتوغرافي العراقي الرائد، فنان الثورة والحرية. مصور ناضل وكافح بعدسته من اجل الطفولة والحياة والانسان. له عين أخرى غير عين الكاميرا تنظر بحرفية فنان. يعتبر الصورة موضوعا متكاملا على المشاهد ان يستوعبه. فهو اختزل زمنا من خلال عمق اختار اللقطة.

 

المعروف عنه أنه كان خبيرا في تصوير الابيض والاسود. واستخدام الظل في التعبير عن حركة الحياة عند الانسان. لم يكن يوما من الايام الا مع الناس يشعر بوجعهم ومعاناتهم. فهو ابن بار للمجتمع. الصورة عنده قصة كاملة لمجمل حياة شاهدها لا كما يشاهدها غيره.

 

إن الاحساس بالقيمة الانسانية والجمالية هو هدفه الاساس. لم يكن مترفا بل كان يبحث عن الظروف الصعبة، فسافر الى مدن الصراع الانساني متحملا صعوبات جمة، أولها انه ممكن أن يفقد حياته في اي لحظة. فكان مع ثوار ارتريا والفدائيين الفلسطينيين، مؤمنا بقضياهم العادلة التي فرط فيها البعض حتى من اصحابها، ونقل للعالم صورة هي همه وقضيته من خلال معارضه التي أقامها في لندن وباريس وروما وبعض البلدان العربية. معارض تحكي قصة شعب وقصة وطن وثورة وحياة وطفولة ضائعة!

 

جاسم الزبيدي؛ علامة مضيئة في تاريخ الحركة الفوتوغرافية العراقية ومبدع كبير ترك أرشيفا ضخما من منجزات إبداعية وثّقها بعين وقلب مفعم بالمحبة للإنسان، وهو صرخة في وجه الظلم والاستبداد لم يكن يحمل بين يديه كاميرا بل كان يحمل قلبه بأفراحه واحزانه يطوي المدن التي تحترق لتصبح كومة من الرماد فيوثق لحظات احتراقها، يحتفظ للإنسان باسمى آيات الاحترام، يتجول في الأزقة باحثا عن الجمال المختبيء في عيون البسطاء والمتعبين والفقراء، ينتزع ابتسامة ترتسم على شفاه حائرة.

 

التقيته في أحد معارضه في ساحة التحرير بصحبة والدي، وبحكم قرابتي منه, وجدت الهم الانساني موضوعه الاول، لم يحكِ يوما عن نفسه أو عن ابداعه المتميز، بل كان يقول للجميع علينا أن نرسم البهجة في عيون الفقراء، ونجعل للطفولة فرحا دائما,

 

رحل جاسم الزبيدي وهو يحمل سر بقائه حيا بيننا، بساطته، وزهده. إنه ظاهرة فنية ليست محلية بل هو علم عالمي في سماء التصوير الفوتوغرافي. ويجب على المعنيين بهذا الفن ان يدرسوا تجربته في معاهدهم.

 

الفن الحقيقي خالد، لأن منبعه أصيل يحمل سمات الفهم الايجابي للمجتمع والحياة.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى