جايمس سالتر… كل ما نكتبه يبقى إلى الأبد

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مايا نجم

 

غيّب الموت يوم الجمعة الفائت، الكاتب الأميركي، جايمس سالتر، الذي كان يعتبر واحداً من كبار «الأسلوبيين» في الكتابة، في الولايات المتحدة الأميركية، عن عمر يناهز التسعين سنة، خلال ممارسته التمارين السويدية.. هنا ترجمة لمقالة عنه، من «لوفيغارو» الفرنسية..

لم يخاطر هذا الطيار المقاتل بالموت في سريره، ولم يقبل مطلقاً أن يأتيه (الموت) إلى مكتبه. رحل جايمس سالتر وهو يمارس التمارين السويدية، عن عمر يناهز التسعين عاماً. ولد العام 1925، باسم جايمس هورويتز إلا أنه استبدل اسم شهرته، كي ينشر روايته الأولى «من أجل المجد»، إذ كان لا يزال بعد في الخدمة العسكرية (اقتبست الرواية فيما بعد إلى فيلم سينمائي، العام 1958، من بطولة روبرت ميتشوم بعنوان «النيران على آسيا»، إذ كانت تتحدث عن الحرب الكورية).

كان أصدقاؤه في الأكاديمية العسكرية في «واست بوينت» يجهلون أنه الكاتب («كانت ـ أي الأكاديمية – موقعاً مليئاً بالمشاعر الحزينة، ميتماً كبيراً ذا هيئة جامدة وقاسية في متطلباتها»). هناك، خدم سالتر في صفوف القوات الجوية الأميركية ليشارك في مئة مهمة عسكرية، منها الحرب في كوريا. وبما أنه لم يمت في الجوّ، أصبح كاتباً.

خلع زيّه العسكري العام 1957 ليتفرغ لفنّه. «كان أصعب قرار في حياتي». وضع السقف عالياً جداً، إذ وجد أن كتبه الأولى متواضعة، ما لم يكن صحيحاً في الواقع. عاش حياة متواضعة في لونغ آيلاند، وشكلت فرنسا جزءاً كبيراً من اهتماماته («لا مثيل لها») إذ نشر فيها روايته الإباحية «الرياضة والتسلية» (عام 1967). امتازت مذكراته «حياة للحرق» (1997) بايقاعٍ متميزٍ. كذلك نشر روايتين تعتبران من أجمل روايات العالم: «السعادة الكاملة» (1975) التي تصف معاناة الحياة الزوجية، وروايته الأخيرة «ولا شيء آخر» (2013) التي تحدث فيها عن ناشر من نيويورك.

امتاز نثر سالتر بالتعرجات والحساسية والدقة الشعرية. اجتاح الحنين كتاباته، أكانت عن رفاقه المفقودين أم عن المشاكل الزوجية. تأثر في البداية بسانت إكزوبري إلا أن اروين شو (كاتب رواية «حفل الملعونين») – الذي أصبح أحد مرشديه ـ نصحه بأن لا يتأثر بأحد. عمل سالتر في هوليوود، فكتب سيناريو «المنحدر الجهنمي» (مع روبرت ردفورد) وأخرج فيلم (Three»1969») مع شارلوت رامبلينج ـ إلا أنه سرعان ما اشمأز منها وغادرها.

بين بروست وفيتزجيرالد

امتازت رواياته بالدقة، لهذا كان من المستحيل اقتباسها للشاشة. كمنت موهبته في قدرته على جعل المشاهد الجنسية مشاهد سامية، وعلى مراكمة اللحظات الخيّرة، كما على تحويل مقعد السيارة الخلفي الى جنّة ملحقة. أحبَّ باريس. دارت العديد من فصول رواياته في المطاعم وخلال الحفلات.. فبدا كأنه مزيج من بروست وفيتزجيرالد.

أبطال روايات سالتر، أناس فقدوا شبابهم وزوجاتهم وأوهامهم، وإن بقوا على شيء من اللطف والحزن. أما هو فبقي على يقين أن «كل ما نكتبه يبقى إلى الأبد». لذلك ملأ دفاتره بتفاصيل صغيرة وحكايات، لينشر مع زوجته كتاباً يضم مجموعة من «الوصفات» بعنوان «الحياة وجبات»، تحدث فيها عن الحسيّة، والشره الداخلي، والمطابخ التي تعمّها الفوضى، وغرف الأطفال المليئة بالألعاب، والشراشف التي «جعلكتها» الخيانات الزوجية. هذه الترسانة من الحكايات شكلت التربة التي غرف منها قوته الروائية وغنائيته الناهشة.

تنتهي رواية «السعادة الكاملة» بجنازة. «كان هناك الكثير من الأسئلة التي أردنا أن نطرحها. بيد أن الأجوبة اختفت». ثمة ميزة نجدها عند الكتّاب: الإجابات في كتبهم. وفي حالة سالتر، سينكسّ ضابطان العلم الأميركي احتراماً وسيصدح بوق تحت السماء الملبّدة بالغيوم.

المصدر: السفير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى