جدل التجديد والقطيعة في معرض القاهرة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*علي عطا 

المصدر: الحياة

 

«نحو خطاب ديني جديد»، هو عنوان اللقاء الذي جمع الشاعر أدونيس وجمهوراً كبيراً، ضمن الأنشطة الثقافية المصاحبة للدورة السادسة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي افتتح في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي ويستمر حتى 12 شباط (فبراير) الجاري. عاد أدونيس بهذا اللقاء إلى جمهور ثاني أكبر معرض للكتاب في العالم، بعد غياب دام نحو عقدين، ليطرح أفكاراً، «غرضها خلق حوار لا إيجاد حلول»، على حد تعبيره. فيما اعترض أحد الحضور، وهو موظف في وزارة الثقافة المصرية، وفق تقديمه لنفسه، على تصدي مفكر «لا ديني»، لطرح رؤى تتعلق بتجديد الخطاب الديني.

واحتشاد «جمهور كبير» لحضور هذا اللقاء الاستثنائي هو أمر متوقع، ولكن يبدو أن هناك جمهوراً آخر يوصف أيضاً بالكبير، ملأ مخيم «المقهى الثقافي» لحضور حفلة توقيع كتاب عنوانه «حبيبتي»، مؤلفه يدعى زاب ثروت، تشير المعلومات عنه على «الانترنت» إلى أنه «مؤلف موسيقي وشاعر ومغني راب وهيب هوب، مصري ولد في الأردن عام 1987»!

بل هناك جمهور ثالث، «أجبر» أكبر دار نشر مصرية خاصة، هي دار «الشروق» في أول أيام المعرض على سحب كتابين ليوسف القرضاوي، الداعية المصري- القطري، بدعوى أن «كتبه تصنع عشرات الإرهابيين»، وفق تعليق بعض الإعلاميين. وعلى الفور، أصدرت وزارة الثقافة المصرية بياناً أكدت فيه أنه لا علم لها بأن «الشروق» عرضت هذين الكتابين ضمن ما تعرضه. ولاحظ البيان نفسه أن «الجمهور الوطني الواعي رفض أن يكون لهذا الرجل (القرضاوي) الذي يناصب مصر وشعبها وجيشها العداء، كتب داخل المعرض، واستنكر أن يتعكر صفو هذا العرس الثقافي بمثل هذه الكتب التي استفزت مشاعر الجماهير وأثارت حفيظتهم». وعقب ذلك، أكدت الهيئة المصرية العامة للكتاب، في بيان صحافي، عن توفر كتب المفكر الراحل فرج فودة، في جناحها، علماً أن فودة اغتيل على أيدي أصوليين عام 1992 عقب مناظرة مع الداعية محمد الغزالي ضمن أنشطة دورة معرض القاهرة للكتاب التي أقيمت في أوائل العام نفسه. وفي تلك الأثناء كان كثير من زوار المعرض، الذين يزيد عددهم عن 100 ألف زائر يومياً، وفق إحصاء رسمي، يتحدثون عن كتب المركز القومي المصري للترجمة التي تباع بجنيه واحد (الدولار يساوي 7.5 جنيه) للتخلص من تكدسها المضطرد في المخازن، ما أثار ملاحظات في شأن جدوى النشر الحكومي، الذي بات، في ضوء تلك الواقعة وغيرها، «معرقلاً للمنافسة مع ما تنتجه دور النشر الخاصة».

وفي تاسع أيام المعرض فوجئ رواده بقرار غلق جناح دار «منشورات الجمل» لثبوت اتهام وجهته لها دار «الآداب» البيروتية بأنها عرضت ترجمات لأربعة كتب مقرصنة تملك هي حق نشرها حصرياً وقانونياً، ومنها «قواعد العشق الأربعون» للتركية اليف شافاق و»زوربا» لليوناني كازانتزاكيس. وأحدث القرار جدلاً وهو ما اعتبره صاحب دار منشورات «الجمل» «قراراً متسرعاً»، معرباً عن الأمل في أن يتم العدول عنه. وفي تلك الأثناء تداولت وسائل إعلام عدة الحديث عن منع الأزهر أكثر من 30 كتاباً «شيعياً» من المشاركة في المعرض. وفي أولى الأمسيات الشعرية للمعرض، لوحظ غياب الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي، الذي تم الإعلان عن مشاركته فيها، من دون أن يتضح سبب ذلك، علماً أن وزير الثقافة جابر عصفور كان قد أعفاه أخيراً من رئاسة تحرير مجلة «إبداع»، التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 

التجديد

قدم رئيس الهيئة العامة للكتاب أحمد مجاهد، الشاعر أدونيس بقوله: «إن أدونيس اعتاد أن يُطل علينا من شُرفتين، الأولى هي شرفة الشعر، فصحيح لدينا شعراء كبار حملوا مشاعل النور في الشعر العربي الحديث، لكن يبقى أدونيس هو الأكثر تأثيراً، فقد ترك بصمة واضحة في تاريخ الشعر العربي لا يضاهيه فيها أحد، أما الشُرفة الثانية التي يُطل علينا من خلالها، فهي شُرفة التجديد الفكري، الذي يتأمل شؤون الثقافة العربية كلها».

وبدوره، أكد أدونيس أن الثقافة العربية السائدة «هي ثقافة لا تُعلّم إلا الكذب والنفاق والرياء، فإذا كانت الرقابة في المجتمع العربي جزءاً عضوياً من الثقافة العربية وليست فقط رقابة أهل السلطة، فرقابة أهل السلطة جزء من الرقابة الاجتماعية والسياسية، فأنا لا أستطيع أن أقول كل ما أفكر فيه، وإذا قلته في قاعة كهذه لا أستطيع أن أقوله كله، وهذا يؤكد أن الثقافة العربية لا معنى لها، فهي ثقافة وظيفية لا ثقافة بحث واكتشاف… كلنا موظفون في ثقافة سائدة، ولذلك لا دور للمثقف، ولو كان له دور حقيقي لأثَّرت فينا أفكار الرعيل الأول من المجددين أمثال محمد عبده وعلي عبدالرازق وطه حسين». وأضاف: «من المؤكد أن الهدم والنقد اللذين أقوم بهما الآن هما شيء سهل، لكني أؤكد لكم أننا إذا لم ننقد ونهدم لكي نؤسس لقطيعة معرفية كاملة لا يمكن أن نفعل شيئاً».

وعرض أدونيس لـ «مشروع إصلاح» مكون من نقاط أربع، «النقطة الأولى تتمثل في الحاجة إلى قطيعة كاملة مع القراءات السائدة للدين التي تحول الدين الذي هو رحمة ومحبة وسعادة للبشرية إلى عنف. والنقطة الثانية: إذا كنا نرغب في تغير السلطة والمجتمع معاً، فيجب أن ننشئ جبهة علمانية على مستوى العالم العربي تعمل على إعادة قراءة الموروث وتؤسس لمجتمع جديد قائم على المعرفة والفكر المتجدد. والنقطة الثالثة: علينا أن نحرر ثقافتنا من القيود المفروضة عليها. والنقطة الرابعة هي الديموقراطية التي لا مفر منها، فمن دونها لا حرية ولا حقوق ولا مساواة، فالمواطنة القائمة على علمنة المؤسسات هي ما يستحق أن نناضل من أجله.

وعقب مداخلات القاعة، لخص أدونيس رؤيته بقوله إن «الحلول ليست معلقة في الفضاء حتى نسير وراءها ونجدها. ليست هناك أية حلول مسبقة إلا في أيديولوجيتين: الأيديولوجية الدينية، والأيديولوجية الحزبية (الشيوعية والقومية). هذه الحلول جُربت قرناً كاملاً وأفضت إلى ما نراه اليوم. أفكاري طرحتها لأهزكم وأخلق حواراً معكم. لا يمكنني أن أناقش أفكار الجميع. يستحيل أن تكون هناك ديموقراطية في المجتمعات العربية في الظروف الراهنة. فالفرد العربي، سيد نفسه وسيد مصيره باستقلال تام عن العائلة، المذهب، العشيرة، القبيلة، لم يولد بعد في المجتمع العربي والذي لا وجود فيه لمفهوم الإنسان الذي يُقتل كأنه غير موجود. الشرط الأول للديموقراطية هو أن نعترف بالآخر المختلف كجزء من الحقيقة، وهذا غير موجود في المجتمع العربي. ليس لدينا مشروع في هذا الإطار. نحن العرب لا نتحدث إلا عن الماضي. القطيعة هي أن تكتب وتفكر وتكتشف بطرق جديدة «. وعقب ذلك، أعلن مجاهد أن كتاب أدونيس «الثابت والمتحول» سيصدر قريباً في القاهرة ضمن مشروع «مكتبة الأسرة».

 

ما بعد محمد عبده

وفي لقاء آخر تحدث المفكر السوداني المحبوب عبدالسلام عن «التجديد ما بعد الإمام محمد عبده». ومعروف أن إدارة المعرض اختارت محمد عبده شخصية المعرض لهذا العام، واختارت السعودية ضيف شرف. وقال عبدالسلام: «علينا أن نهتم بالقراءة الاستشراقية، بخاصة لكتب ابن رشد، وقد نجح في ذلك المفكر عبدالمجيد الصغير، حيث تمكن من تأسيس فلسفة إسلامية جديدة تنشد الإبداع وتأبى التقليد. علينا الاهتمام بالاجتهاد الفلسفي المهم الذي أرسى قواعده الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن، وعلينا أن نعود لدراسة الفلسفة الإسلامية من منابعها الأساسية مباشرة من دون وسيط». وأشار إلى أن حسن الترابي يعد صاحب رؤية متكاملة في تجديد علم أصول الفقه لم تكن تتيسر له لولا نشأته الخاصة وخبرته الواسعة وخلواته في أغوار السجون وهو أمر لم يتجدد في التاريخ الإسلامي منذ الإمام الشاطبي صاحب الموافقات».

وشهد المعرض لقاءً مع الكاتب المصري جمال الغيطاني لمناسبة بلوغه السبعين، اختتمه بالقول إن «التجربة الصوفية هي من أعظم التجارب التي أنتجتها الحضارة الإسلامية»، مضيفاً أنها تجربة إنسانية لذلك تتماس كثيراً مع الآداب العالمية مثل أشعار رامبو. وخلص صاحب رواية «الزيني بركات» إلى أن «التجربة الصوفية هي الاتجاه الإسلامي الوحيد الذي يستطيع أن يحارب الفكر المتشدد الذي يقف وراء الإرهاب الذي يشهده المجتمع العربي حالياً».

ومن المقرر أن تختتم الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض مساء يوم الأربعاء المقبل بلقاء مع وزير الثقافة المصري جابر عصفور يعقبه توزيع عشر جوائز لأفضل عشرة كتب صدرت في القاهرة خلال 2014 (في الرواية، القصة القصيرة، شعر الفصحى، شعر العامية، فنون، أطفال، كتاب سياسي، كتاب اجتماعي، علوم، النقد الأدبي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى