جنس الكتابة / إبراهيم جابر إبراهيم

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
ربما كانت تقليدية تلك المقولة عن ” المحامي الفاشل الذي يخسر قضية عادلة”، لضعف حججه وركاكة منطقه، وليس لضعف في صلب أو جوهر القضية ذاتها.
لكن القضية العادلة حين تتعرض لضربات متتالية، ومنهكة، يضعها ذلك في خانة الخسارة، ولا يعود هناك من يتذكر “المحامي الفاشل” بقدر ما ينصبّ الانتباه دائماً على “القضية” التي طالتها الخسارات حتى لم يعد البعض يتبين وجه عدالتها تماماً !
ويصير من الصعب الفصل هنا، أيهما أطاح بالآخر؛ وهذا ما حدث ويحدث دائماً في قضية ( أو قضايا) المرأة، وهل القضية كانت بهذا الضعف والتهافت أم أن “المحاميات التاريخيات” عن هذه القضية هنَّ من اشغلن الجمهور بتفرعات غير وجيهة مما أودى في الحقيقة بالقضية الأساس !
ومن هذه التفرعات التي أفرزتها “الناشطات النسويات” صناعة خندق لا يحمل تحت يافطته أي مبررات أو مسوّغات لوجوده؛ وحاربن عنه بضراوة، وهو “خندق الإبداع النسوي”. وكان هذا أول مسمار ساهم في تفتيت تلك الوجاهة لقضية المرأة !
ففي المنطق، ومنطق الفن على وجه الخصوص، لا يرحب الإبداع بالتقسيمات البيولوجية، ولا يريحه أن نقول (شعر نسوي)، و(سينما نسوية)، و(غناء أو نحت أو مسرح نسوي )!
والمرأة أيضاً ، يفترض ان لا ترحب بذلك، وأن تكون أول المعترضين عليه!
فأي ضرورة تلك التي تدفع لتقسيم الفن والابداع الى نسوي وذكوري في زمن اختفت فيه هذه التقسيمات البيولوجية حتى من متاجر الجاكيتات الجلدية ! وهل ثمة شروط فنية تلعب دورا في هذا التصنيف أم هو قائم فقط على جنس الكاتب، وهل يتبع ذلك بالضرورة تحديد لجنس القارئ؟! يعني هل هناك قارئات للأدب النسوي ممنوعات من قراءة الأدب الذكوري؟!
وهل يندرج التقسيم -أيضا- على باقي سياقات الإبداع؛ كأن نقول مثلا إن أغنيات فيروز هي أغانٍ نسوية؟ وأن أعمال نادرة عمران مسرح نسوي؟ وقصائد فدوى طوقان شعر نسوي؟ ومنحوتات منى السعودي هي فن نسوي؟ وروايات فرانسوا ساغان روايات نسوية؟ وموسيقى فيونكا هي موسيقى نسوية؟ … هل يحتمل الإبداع هذا الإقحام الفج للفصيلة الفسيولوجية للمبدع على غلاف عمله قبل اسم الرواية او المنحوتة او الأغنية؟!
يقيناً أن هذا الهوس بتقصي جنس المبدع، لا يليق ببشر يعيشون في هذه الألفية، وهذا الزمان، وليس من اللباقة أو اللياقة أن نسأل المرأة عن استقبال الناس لإبداعها (كأنها مخلوق خرافي من المستغرب أن تبدع وأن تكتب)، واحيانا نسألها عن تأثير المطبخ والأولاد على كتابتها، والمحصلة إساءة ضمنية تعتبر ابداع المرأة شأنا طارئا وغير متوقع مما يستدعي الاحتفال به حين يحدث !
أفهم أن لدى المرأة تذمرا تاريخيا من اللاعدالة في المحاصصة مع الرجل، ومن استئثاره في منابره بتقديم الذكورة كقيمة تعلي من شأن أصحابها، ومن احتكاره للمنصة والميكروفون لقرون طويلة، بقيت هي خلالها في المطبخ!
لكن التحرك النسوي للدفاع عن الجنس الرقيق اتخذ مسارا خاطئا فلم يوصل رسالته، وجعل المرأة ترتد خائبة، أو أنها أسهمت في تكريس صورة المرأة كعنصر طارئ يتسول الاشتراك في فعاليات المجتمع!
فالمرأة التي تخوض معمعان الدفاع عن النساء تطلب لها حقوقها وامتيازاتها بحجة أنها (أنثى ناعمة)، والمرأة ترضى بالكوتا، والمرأة ترضى بتمييز التعامل معها أينما راحت، وهي تنسى تماماً انها تطالب بحقوقها كبشر، فتقع في فخ أنها أخذت ما لا تستحق!!
وأن ما حصلت عليه مجرد أعطيات ومنح ورشوات من الرجل الذي لا تقوى على هزيمته!!
بل إن بعض القائمين على هذه التحركات كثيرا ما دفعوا المرأة لتقديم ثمن باهظ أو مكافأة مغرية نظير اشتراكها في احتفال الحياة … الاحتفال الذي هي للمفارقة الطريفة من أعلن قيامه !