جهاد هديب يمضي «قبل أن يبرد الياسمين»

الجسرة الثقافية الالكترونية
محمد جميل خضر
أي صباح مثقل بالأسى الذي جعلني مبكراً أواعد بريدي الإلكتروني، وأطل، وهو ما لم أفعله منذ زمن ليس بالقصير، على بريد رابطة الكتاب الأردنيين، لأفجع بثهم خبر رحيل الشاعر الصديق جهاد هديب (1967- 2015): «تنعى رابطة الكتاب الأردنيين، بمزيد من الحزن والأسى، عضو الرابطة، الشاعر والإعلامي والنقابي جهاد هديب، الذي وافته المنية يوم أمس، في عمان حيث كان يعالج من مرض عضال ألمّ به قبل نحو عام، وتتقدم بأحر التعازي وأصدق مشاعر المواساة من ذويه وأصدقائه ومحبيه».
خبر الرابطة لم يتوقف عند النعي، بل تواصل متأملاً تجربة هديب الإبداعية ومعرِّجاً على بعض فواصلها: «يعد جهاد هديب، الذي لم يتجاوز عقده الخامس، أحد أبرز الأصوات الشعرية العربية التي برزت منذ تسعينيات القرن الماضي، كما يعد أحد أبرز الصحافيين الذين عملوا في الصحافة الثقافية في الأردن وخارجها».
هكذا على رسله يمضي جهاد، بقليل من الضجيج وكثير من الهدوء الوديع. فأي صباح مثقل بأخبار عمان الغريقة في شبر ماء، ما نزال نراوح فيه حول المسؤولية من عدمها عندما يموت الناس ويغرق الناس وعندما تصير الشوارع كومة من طين وحطام وصرخات، أي صباح يدير ظهره فيه لكل هذه الفوضى المحيطة بعالمٍ عربيٍّ بائن الضياع، لكل هذا الخراب، ليهمس بوداعه المألوف، تماماً مثل حضوره المجدول من مقام الحجاز بعيداً عن الطبول والإيقاع والصخب الخلبيّ المخاتل.
يقول خبر رابطة الكتاب الأردنيين: «ولد الشاعر جهاد أحمد حسين هديب، في مادبا، بتاريخ 11/ 6/ 1967، عمل محرراً في القسم الثقافي في جريدة «الدستور»، وفي الصحافة الخليجية، وأصدر الشاعر الراحل من المجموعات الشعرية: «تعاشيق»/ دار أزمنة، «ما أمكن خيانته ويسمى الألم»/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1999، «قبل أن يبرد الياسمين»، «غروب كثير يمر في التخوم»/ عمان/ دار فضاءات، 2007، و»تمثال مخمور» 2015، كما ترك مئات المقالات والأبحاث المنشورة في صحف ودوريات عربية عدة على امتداد ثلاثين عاماً، إضافة إلى عشرات القصائد غير المنشورة». ما نسيه خبر الرابطة أن هديب الصديق والرفيق والنديم، عمل تسعينيات القرن الماضي في جريدة «الرأي» أي قبل أن يعمل في جريدة الدستور.
الشاعر والمهندس عصام السعدي ينعى صديقه قائلاً:
«خفيفًا على الأرض،
والقلبِ، والخاصرة…
طيّرتَ بضعٓ عصافير، وضحكاتٍ
ونزفتَ القصائد، والحشرجات
كأنّكَ قلتَ للسرطان: كُلْ كلَّ ما أخذتُه من دنياكم
واتركني أذهبُ خفيفًا…
وغبت!
ثقيلٌ غيابك اليوم
ثقيلٌ على الأرض، والقلب، والخاصرة
قلت لي ذات يوم أنك ضِقتَ بالعتمةِ
فلم تمكثْ في رحم أمّكَ غير سبعة شهور، وشقَقْتَهُ، وخرجْت
ثقيلٌ غيابك
ثقيلٌ كغياب طفل كان يسرعُ في تعلّم الحياة، فباغته درس الموت
ثقيل غيابك يا جهاد هديب، يا صاحبي
وداعًا».
الشاعر والتشكيلي الزميل حسين نشوان يرفع يده مودعاً ومتمتماً: «جهاد هديب، وداعاً.. جئت بصمت، ورحلت بصمت ونودعك بصمت».
الشاعرة زليخة أبو ريشة تهمس له قائلة: «لم تشبع منك الحياة ولا الشعر يا جهاد».
جمعة شنب كتب يقول: «أعزّي أهلَ صديقي الشاعر جهاد هديب وأصدقاءه ومحبّيه والوسط الثقافي والصحفي ونفسي، بوفاته قبل قليل، في مستشفى الأمل للسرطان، في العاصمة الأردنيّة عمّان. إلى رحمة الله يا جهاد».
القاص زياد بركات لا يصدق أن أخاه وصديقه وحبيبه جهاد هديب مات، إذ ثمة «هناك خطأ ما في مكان ما في هذا الكون الأعمى». الشاعر عثمان حسن يتساءل «جهاد هديب… وماذا بعد..عليك السلام والرحمة». الشاعر زهير أبو شايب يختصر المشهد كله بعبارة «وداعا جهاد هديب.. وداعا يا صديقي الحبيب».
الشاعر غازي الذيبة يصف هديب أنه «معلم الهدوء والدهشة، أحد أكثر الشعراء المجذوبين بالهمس»، ليرتجل مع الحزن نص اللحظة القاتمة:
«أيها الموت ألا تتوقف قليلا عن خطف من أحبهم.. قليلا فقط؟
يا جهاد
سأبكي
واجعل هذا المساء ينام على كتفينا
سأجعل اسمك منذ جاء إلينا يسوع
وقاس المسافة بين الرضا والألم
سارية في براري الحلم».
المترجم وليد السويركي يلوح له قائلاً: «وداعاً صديقي، وداعاً جهاد هديب».
القاص محمد خليل يدون على صفحته ما يلي: «أوجعنا كثيرًا هذا الرحيل المبكر». وهو لسان حال الفنان عبد الله أبو هنية الذي يستذكر روح «الجميلة».
الناقد فخري صالح يكتب على صفحته: «وداعاً صديقي وزميلي جهاد هديب، لقدر مررت سريعًا وخفيفًا في هذا العالم». الروائي عبد الناصر رزق يعتب على «الدنيا التي فرّقتنا، لا عليك أيها الصديق الجميل، فلن تطول صحبتنا بها!».
الناقد زياد أبو لبن رئيس رابطة الكتاب الأردنيين يقول في رحيل «صديقه» الشاعر جهاد هديب: «عبّر جهاد هديب عن آلامه وأحزانه وهمومه تعبيرا صادقا، فانطلق من الخاص إلى العام في أربعة دواوين شعرية. من عرف جهاد عرف هدوءه وصمته وإيقاعه البطيء، يكتب الشعر بصمت، ويرحل بصمت، لا يحب النجومية، وعلاقاته الاجتماعية محدودة بعدد أصدقاء وزملاء يعرفهم منذ سنوات».
القاص محمود الريماوي يكتب صادحاً: «الشعر ما عاد يجلب سوى ألم الكتابة، والحياة لا تجلب إلا الموت».
المخرج خليل نصيرات يتساءل «يا ترى كم ستحتاج «عمّان» بشوارعها وأرصفتها من الشمس حتى تجف دموعها؟! كم من شرايينا تحتاج حتى تنشر بردها ووجعها وحزنها على فراقك يا جهاد هديب؟!!».
الشاعر عمر شبانة يرتجل لحظته قائلاً:
«نعم يا جهاد، إنه «غروب كثير يمر في التخوم»،
أليس هذا ما رأيته أنت في كتابك:
مثل طاعون تفرق دم السلالة أزرق
تقول لي بينما آلهة أخرى ولدت من الضباب
أسكنتها شجرة البهاليل وحرستها بتمائم
وتعاويذ قبلت لأنها يتيمة وصليت
لأنها لا تصغي».
الشاعر يوسف الديك يدوّن «نرسم أحلامًا بحجم بلاد.. ونصدّقها فيقهرنا الموت».
الشاعر والناشر جهاد أبو حشيش يكتب: «لم تسعك البلاد التي لا تشبهك، ولم تتقن النساء عد ضحكاتك الخافتة، الأصدقاء لم يفطنوا لما قد تغمض كفك، وأنت الواضح كحجر برّي لم يغادر تربته منذ وجد، وحدنا كنا نقهقه ثم تفرد أصابعك لتلتقط مفردة يتيمة وأنت تقول: كأنها أنا».
بعض ألم الشاعر والصحفي الزميل أحمد الخطيب على رحيل جهاد، تجلى كضوء من رماد الحزن:
«لا أريدُ الآن عزف الناي
أو شيئاً يقرّبني من الألم الأخير
ولا أريدُ
لفطنتي
أنْ تنسلَ الخيط الرفيعَ من العجينْ
لا أريدُ لظلمتي أنْ تنسجَ الأشعارَ
أو تستوردَ الأقمارَ
من
ماءٍ وطينْ
لكنني
مثل المرايا الصاخباتِ على جدار اللايقينْ
سأوزّع الحُمّى
على دمعي
وأسألُ يا جهادُ
أكانَ موتُكَ دورةً للناي في كأس الحياةِ
وموئلِ الأسماء
أم كنتَ الذي
رصدتهُ ذاكرة الغوايةِ
دافعاً ورقَ اخضرار الأرضِ
في ثوبٍ
تعوّدّ أنْ يمرّ على سرايا اللاجئينْ».
القاصة جميلة عمايرة تكتب قائلة «هكذا، كخيط ضوء انطفأ،
غادرنا جهاد مبكراً بلا تلويحة من يده». الروائي والكاتب المسرحي هزاع البراري يرى أنه نهارٌ «مثقل بالحزن والصمت» النهار الذي يوارى فيه الشاعر جهاد هديب حضن ثرى الرصيفة حيث كبر هناك وقرأ وكتب، قبل أن يستقر في عمّان ومنها إلى أبو ظبي محطة قلقه الأخيرة.
المصدر: الراي