جون ستيوارت أهم إعلاميي الولايات المتحدة والمناصر للقضية الفلسطينية يترك برنامجه بعد مهاجمته لمحطات اللوبي الإسرائيلي

الجسرة الثقافية الالكترونية

*حسام عاصي

المصدر / القدس العربي

كان إعلان الإعلامي الكوميدي، جون ستيوارت، عن تركه لبرنامج الـ»دايلي شو» مفاجئا، وذلك لان برنامجه ما زال يستقطب الملايين من الشباب الأمريكيين الذين يستسقون حقائق الأخبار منه لأنهم فقدوا ثقتهم بالإعلام الامريكي، الذي بات وسيلة للترفيه والتضليل، بدلا من أن يكون مصدرا للأخبار والتنوير. ويُعرف ستيورات بانتقاداته الكوميدية الساخرة للأوضاع السياسية الراهنة والإعلام الامريكي من خلال عرض آخر أخبار الساعة في «البرنامج اليومي»، الذي جعل منه معيارا ثقافيا لملايين المعجبين ومنبرا لا يضاهى للكوميديا منذ أن مسك بزمام تقديمه عام 1999. وفضلا عن شعبيته، حصد البرنامج 19 جائزة «ايمي» لأفضل انتاج تلفزيوني.
بلا شك أن غياب ستيوارت، البالغ من العمر 52 عاما، سوف يترك فراغا شاسعا في التلفزيون الامريكي، وخاصة بما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط والصراع العربي – الاسرائيلي، لأنه هو الإعلامي الوحيد الذي تجرأ على انتقاد سياسة الولايات المتحدة المتحيزة لإسرائيل واستنكار جرائم الدولة العبرية ضد الفلسطينيين. فعندما اشتعلت حرب غزة الأخيرة تصدى لأكاذيب الجيش الاسرائىلي، الذي كان يدعي بأنه لا يستهدف المواطنين وأنه كان يحذر أهالي غزة بترك بيوتهم قبل القصف الجوي، متساءلا «الى أين تريدهم ان يذهبوا؟ غزة مغلقة من كل الجهات على يد اسرئيل ومصر. هل تريدهم ان يغوصوا في البحر؟»!
ووجه انتقاداته الساخرة ضد السياسيين الأمريكيين الذين استمروا بدعم العدوان الاسرائيلي، رغم تراكم ضحاياه وخاصة الأطفال منهم قائلا «الشي الوحيد الذي يتفق عليه الديموقراطيون والجمهوريون هو تأييد اسرائيل في قصف غزة».
كما أنه سلط الضوء على التهديدات التي يتعرض لها كل من يعارض السياسة الإسرائيلية في الإعلام الامريكي من خلال عرض مشهد في إحدى حلقات برنامجه كشف فيها عن الضغط الذي يمارسه اللوبي الصهيوني، الذي اتهمه بأنه يهودي كاره لنفسه.
عندما قابلت سيتوارت لأول مرة العام الماضي في حفل في مهرجان تورونتو للأفلام، وجدت شخصا معبأ بالحيوية ومسليا بفكاهته. أخبرته عندما صافحته بأني فلسطيني. فرد ضاحكا «وأنا يهودي».
وخلال حديثنا كان واضحا أنه ملم بقضايا الشرق الاوسط ومدرك للأكاذيب المضللة التي يبثها الإعلام الامريكي، الذي دائما يبث الأخبار من منظور اسرائيلي. كما أنه استهتر وسخر من الذين يتهمونه بدعم الإرهاب بسبب تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، قائلا «هم يقصفون المستشفيات ويقتلون الأطفال ويتهمونني بدعم الإرهاب. أين المنطق في هذا الحديث؟».
وكشف لي ستيوارت انه ورث حس السخرية من جده اليهودي الروسي الذي وُلد في مانزولي المنغولية التي كانت تخضع للصين في اوائل القرن العشرين. وكانت عائلة جده من أكبر تجار الفرو، ولكنهم خسروا كل شيء بعد الإجتياح الياباني للصين في الحرب العالمية الثانية وهاجروا الى نيويوك، حيث فتح جده محلا للغسيل الجاف. «كان عليه أن يجدد محله باستمرار لأن ماكنات الغسيل الجاف كانت تحترق كل بضعة أعوام. ولكن رغم تدهوره من غني الى فقير والتحديات التي كان يواجهها إلا أنه كان متفائلا بشكل لا يُصدق، وكان دائما فكاهيا ومضحكا»، يقول ستيوارت ضاحكا.
ويعترف ستيوارت أن الكوميديا بالنسبة له هي حجرة الهروب من الواقع، ويلجأ لها لكي يتفادى التعامل مع المعضلات والتحديات التي يواجهها في حياته، مدركا أنها لا تساهم في حل تلك القضايا. «كانت هناك أوقات عصيبة وبغيضة في حياتي وقمت بتقديم كوميديا سوداء، ولكن أحيانا تكون فارغة، فالحقيقة هي أن النكتة لا تحل المشاكل، ولكن للاسف بعض الناس يعانون من خلل مخي وأنا واحد منهم، ولا يمكن أن تفعل شيئا لتغيير ذلك. أنت تعلم أن السخرية غير مؤثرة ولكنها تحميني من الانهيار»، يقول ستيوارت.
وهذا هو الدرع الذي يواجه به ستيوارت مناهضيه من المحافظين، الذين يتهمونه بافساد عقول الشباب في أمريكا وتضليلهم من خلال السخر من الأخبار في برنامجه، مصرا على أنه كوميدي وليس مذيعا للأخبار. الحقيقة هي أن ستيوارت هو أكثر تأثيرا على أذهان الشباب من المؤسسات الإخبارية المنهجية، التي خسرت ثقتهم بها لكونها خاضعة لمصالح الشركات الضخمة وملاحقة للأرباح المادية بدلا من استئصال الحقائق ونشرها. ولا يكتفي معجبو ستيوارت بمشاهدة برنامجه وحسب وإنما يتداولون مقاطع منه على مواقع الانترنت ومنصات التواصل الإجتماعية، وكأن اقواله وحقائقه كانت منزلة من السماء، وهذا ما أثار رعب المحافظين منه وحثهم على مهاجمته واتهامه بنشر الأكاذيب.
على عكس مناهضيه، ستيوارت لا يتبجح بمصداقية أخباره، وإنما يفضح أكاذيب ويسخر من شبكات التلفزيون الإخبارية، التي تبث 24 ساعة في اليوم. واصبح معروفا باستهدافه قناة «فوكس نيوز» وشبكة «سي أن أن». «للاسف لم يكن هناك ابدا، لا في الماضي ولا في الحاضر، صوت نزيه ومنطقي في عالم الأخبار. أظن أنه واجب على الناس أن يكونوا فعالين في جمع الحقائق وأن يكونوا قادرين على تبين مصادر مختلفة وأن يفهموا ماهية المصادر والتحيز وأن يكونوا قادرين على موازنة الحقائق لكي يتمكنوا من تركيب رؤية خاصة بهم،» يعلق ستيوارت.
وهذا ما يحاول أن يقدمه ستيوارت لجمهوره بدون أن يفرض عليهم رؤيته الخاصة. كما أنه يجري مقابلات مع صناع السياسة والفن وشخصيات مهمة في برنامجه، موجها اليهم أسئلة حادة لا يطرحها غيره من الإعلاميين الأمريكيين. ففي مقابلة مع وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، التي كانت تشيد بضرب اسرائيل لحماس في حرب غزة الأخيرة، قاطعها قائلا «أليس علينا على الأقل أن نستنكر قتل الأطفال الفلسطينيين؟».
وعلى خلاف الإعلاميين الذي دائما يفتخرون باجراء مقابلات مع مشاهير من قطاعات مختلفة، ستيوارت يعتز بمقابلة أناس عاديين حققوا أشياء إستثنائية، مثل الفتاة الباكستانية ذات الـ 16 عاما، ملالة يوسافزي، التي أطلق عناصر الطالبان النار عليها لأنها كانت تدافع عن اغلاق مدرستها. «مقابلتها كانت شرفا كبيرا لي»، يقول ستيوارت متحمسا. «رغم كل ما قدمته من تضحيات فانها لم تر نفسها بأنها استثنائية، وذلك لأنها تشعر بأنها تمثل آلاف البنات الباكستانيات، اللواتي يخاطرن كل يوم بدون أن يلاحظ أحد بطولتهن. وهي دفعت الثمن الأعلى وتستخدم ذلك لتسليط الضوء على محنتهن.» ويدرك ستيوارت أنه محظوظ لكونه مواطنا في الولايات المتحدة التي تمحنه حرية التعبير الراسخة في دستورها. «صديقي باسم يوسف لم يتمكن من فعل ما أفعله في بلده مصر لأن القانون هناك لا يحميه. تم تهديده وايقاف برنامجه وواجه عواقب وخيمة لأنه سخر من قبعة شخص مهم»، يقول ستيوارت. ويذكر أن كلا من ستيوارت ويوسف كانا ضيفين في برنامج الآخر.
علاقة ستيوارت مع يوسف ودفاعه عن القضية الفلسطينية رفعت من رصيده في العالم العربي. كما أن تمرده على الإعلام الامريكي جذب الملايين من كل شتات العالم لبرنامجه «البرنامج اليومي». «هذا غريب جدا،» يعلق ستيوارت ضاحكا. «برنامجي يعالج قضايا محلية أمريكية وبطريقة محلية، وأنا لا أفهم لماذا يهتم الأجانب بأمور مملة لا تخصهم ولا تأثر على حياتهم. هل ساشاهد «البرنامج اليومي» من دولة اخرى؟ كما تعلم أنا أمريكي. وفي أمريكا نحن لا ندري أن هناك دولا أخرى. نحن الدولة الوحيدة على وجه الأرض. هذه هي طريقة تفكيرنا»، يقول ستيوارت مازحا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى