جينا بسطا تؤكد أن الأدب العربي لن يصل للعالمية

الجسرة الثقافية الالكترونية
منة الله الأبيض
طرقت المترجمة الدكتورة جينا بسطا الأستاذ بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، عالم الترجمة في مرحلة متأخرة من عمرها، لانشغالها بالعمل الأكاديمي، فبدأ مشوارها مع الهيئة العامة المصرية للكتاب، ضمن مشروع نقل الفكر المصري للخارج، برعاية سوزان مبارك آنذاك، في محاولة ألا نكون محليين ومحدودين، في رأيها.
انتقلت للتعاون مع المركز القومي للترجمة، وشجعها الأديب الراجل جمال الغيطاني لترجمة أعمال الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه، باعتباره أهم الكُتّاب على مستوى العالم، وقد شبه عدد من النقاد “الغيطاني: برابليه، لأن لغته تهكمية، يسخر من العادات والتقاليد.
كما ساهمت بعدة ترجمات ومراجعات للمركز القومي للترجمة كعضو في لجنة الأدب بالمكتب الفني بالمركز، ومنها “المسيرة إلى النجم” و”مقتطفات من حكايات لافونتين” و”صانع الأجراس”. كما أن لها ترجمات متخصصة في النقد الأدبي مثل “مارسيل بروست وجماليات ما بعد الحداثة”، ولها تحت النشر دراسة شيقة عن لقاء فكرى بين جيمس جويس ومارسيل بروست أهم قطبين في الأدب العالمي في القرن العشرين.
توسعت المترجمة جينا بسطا، في حديثها حول مشاكل الترجمة، وبخاصة في المركز القومي للترجمة، وأشارت إلى أن المناخ العام غير مشجع على الترجمة، فبيروقراطية المركز وتقاعس التوزيع، حسب وصفها، وتأخر الطباعة، كلها عوامل محبطة، لا تدفع المترجم إلى الأمام نهائيا.
أولا، مطابع المركز – في رأيها – تحتاج إلى ثورة جذرية، وهيكلة شاملة، فلم تعد المطابع قادرة على استيعاب كم الترجمات، حتى يلجأ المسئولون في المركز وكذلك الهيئة العامة للكتاب إلى الطباعة خارج الهيئة، بتكلفة أكبر، وبطبيعة الحال تتأخر الكتب في طباعتها لمدة تزيد على أربع سنوات، مما يفقد الكتاب مادته العلمية والأدبية.
أما بالنسبة للتوزيع، فهو يتبع عملية معقدة جدا، قد تكون راجعة للروتين الحكومي، أو غير ذلك، لكن مع تراجع قيمة الكتاب إلى حد ما، لوجود الوسائل الإفتراضية، كان ولا بد أن تبتكر وسائل جديدة، تستطيع أن تنافس وتثبت وجود الكتاب، كإنشاء مكتبات متنقلة في المقاهى والجامعات ومحطات القطار وأماكن الانتظار على غرار ما يحدث في أوروبا.
وتضيف: كذلك دعم الكتاب ماديا لا بد أن يكون له أولوية قصوى، لأن حتى بالرغم من أن أعمال وزارة الثقافة مدعومة، لكن تظل أعمال المركز القومي مرتفعة السعر، وذلك مبرر تماما، لكن يمكن طباعة نسخ ليست فاخرة، مع وجود خط من الطباعة الممتازة.
وترجع “بسطا” معضلة طباعة أعمال متواضعة القيمة العلمية والأدبية بالمركز القومي، إلى أنه في المعارض الدولية، التي يشارك المركز بها، يعرض الناشرون الأجانب على مسئولي المركز بعض الأعمال، ويقبلونها دون فحص وتمحيص، ويفاجأ المترجم عندما يسند المركز له ترجمته، بأنها شديدة الصعوبة أو لا تخدم قضايانا العربية أو المعلوماتية.
ويظل الكتاب يتنقل بين أيادي المترجمين حتى يوافق أحدهم على نشره، وتكون قد مرت سنوات عدة، وانتهت مدة حقوق الملكية الفكرية، مما يؤدي لإعادة تجديد الحقوق بدفع مبالغ أخرى.
وتابعت بسطا: وبرغم أن لجان الفحص بدأت تعي تلك الأزمة، حيث يتشددون في قبول الأعمال من الناشرين الأجانب، لكنهم يعتبرون الكتب المهداة، أو زهيدة السعر فرصة جيدة فيقبلونها، لكنها في حقيقة الأمر فرصة معكوسة، على حد قولها.
وتطالب “بسطا” الدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، بأن ينقل المركز إلى نظام محسوس، بالاتجاه إلى الإعلام وغزارة الإنتاج مع عدم التخلي عن الجودة، والقيمة الأدبية.
وبمناسبة الجودة، تشير إلى أن مشروع ترجمه الألف كتاب، كان منهم 600 كتاب ينبغي إعادة ترجمتها مرة أخرى، نظرا للعشوائية والتخلي عن الدقة، باعتبار أن ترجمة مسألة حسية، ليست إجادة اللغة وحدها كافية.
ترى “بسطا” أن الأدب العربي محلي، حين تقول: فهى مفارقة، حين نشعر بمحليتنا سوف نصل إلى العالمية، وحين نلهث وراء التيارات العالمية سنظل محليين، وتبرر “باسطا” وجهة نظرها بأن أغلب التيارات الأدبية التي ينتهجها الروائيون والكتاب والمسرحيون، تيارات أجنبية، كتيارات: “العبث”، و”الواقعية السحرية”، و”تيار ما بعد الحداثة”، وغيرها، ويود منتهجوها أن يصلوا للعالمية، لكنهم لن يصلوا لأنهم صورة باهتة من من الأدب الغربي، ينسخون منه.
وتواصل “بسطا” تبريرها لوجهة نظرها أن الأديب العالمي نجيب محفوظ، وصل للعالمية لأنه سرد بالطريقة التي اتخذها هو، وكذلك الأديب الراحل جمال الغيطاني، لم ينتهج سوى نهجه هو، وتظهر شخصيته الأدبية في كتاب “التجليات” ذا التأثير الكبير بالنسبة للغرب.
وتتساءل “بسطا” لماذا ينتهج الروائيون العرب تيارات ليست عربية في الكتابة في حين أن التيارات العالمية الأدبية نابعة من ظروفهم وحياتهم مثل التيار العبثي الذي ظهر في الغرب جراء اعتصارهم في الحرب العالمية الثانية، فعبروا عن مذابحهم ووفياتهم، في تيارهم العبثي، لذلك نجحوا.
وقالت: الأدباء انحرفوا عن كل ما هو عربي، فبالرغم من أن لدينا قضايانا الخاصة النابعة من ظروفهم، فإن الكُتّاب الحاليين عالجوا تلك القضايا كما عالج الآخرون قضاياهم.
والأدب في تصور “بسطا” هو الذي يُغيّر، وإن لم يُغيّر لا يعتبر أدبًا، فإن المرحلة التي يعيشها الوطن العربي الآن، تُحتم على الكاتب أن يكون مسئولا عن ما يكتب وعن ما يقرأ، عليه أن يتفاعل مع مجتمعه، وأن يكف عن التنظير، والحديث من برج عاجي.
المصدر: ميدل ايست أون لاين