«حارس حديقة المحبين» رواية الحياة اليومية ونقيضها

الجسرة الثقافية الالكترونية
*علاء فرغلي
المصدر: الحياة
بين حكمةٍ معبّرة ومثل فرنسي شهير وقول أثير لجورج برنارد شو أو هربرت جورج ويلز إلى كلمة «رقيعة» على جدار حمّام عمومي ومقطع مبتذل من أغنية شعبية وتعليمات إرشادية فوق لافتة حديقة عامة وإعلان حسّي في قناة تجارية، وجملة شائعة في أفلام إباحية، يقع عالم رواية «حارس حديقة المحبين» (دار العين) للكاتب وليد خيري. تُقدّم الرواية عالمنا – بتفاصيله ومفرداته التي يضرب بعضها بعضاً – ثمّ تناقضه. كأنّ الكاتب يهدر حاكياً عن مجموع ما نشعر ونفكر ونتصرّف، نحن، باختلاف قناعاتنا وتجاربنا وثقافاتنا.
يمكن القارئ أن يشعر بهذا الهدير مع السطور الأولى من الرواية وحتى نهايتها، علماً أنّ الحكايات لا تنتهي بانتهاء الرواية.
«حارس حديقة المحبين» ليست رواية أزمة ننتظر انفراجها، أو لغز تنتظر حله، فهي رواية مشوقة لا تقوم على تشويق مُفتعل أو مفاجأة مؤجلة. الراوي لا يعرض أحداثاً في شكلها الخام المجرّد، إنما يحشو بها مسامعك وعقلك من وجهة نظر مُحبّ يُقبل على الدنيا ويندهش لتفاصيلها.
بطلها شخص «عادي»، متصالح مع ذاته، يعمل حارساً في حديقة الحيوان، لا تعييه التجارب ولا تدفعه «كومبلكسات» نفسية أو اجتماعية لفلسفة شاذة أو غريبة، يشعر ما تشعر ويسلك ما تسلك، ويعاني ما تعاني. لكنك – ومع ذلك – تندفع في القراءة وتطلب مزيداً من اللاشيء ومن كل شيء. المزيد من السرد في إنسيابيته، والحكي الذي يتسلل خفيفاً كالماء ليرويك روحاً وعقلاً.
الراوي إنساني في فهمه للإنسان، طبائعه وسلوكياته، مشاعره وردود أفعاله، علاقاته بالآخرين ونظرته إلى ذاته. يروي تجاربه في نص روائي سهل في تناوله وعميق في نظرته. سرد مميز في مقدرته على بناء علاقة خاصة بين البطل الراوي والقارئ المتلقي من خلال نوع من الحوار الحميم الذي يجعلك جزءاً من الرواية، تتداخل في تفاصيلها قريباً من أبطالها، متفاعلاً، تضحك، تبحث عن أسئلة لحيرة شخوصها، وتتحفز لمعاناتهم.
سرد أقرب إلى حوار بين الراوي ومن يقرأه، حوار حميم بين ندين، لا يقف فيه الراوي على درجة سلم أعلى، أو على منبر خطابي، بل لا يستخدم أساليب تقريرية جامدة في عملية «الإخبار» حتى لا تصله مسلّمة لا تقبل جدلاً، وإنما أساليب خبرية متنوعة. يتحدث إلى القارئ بندية، محاولاً إقناعه تارة بالمنطق العقلي وطوراً بالتودّد والتوسّل، حيناً بالنداء الصريح وأحياناً بالإشارة الضمنية. فيقول مثلاً: «مشكل يا أخي والله أن تعمل في مؤسسة معك فيها زوجان»، بل يفسر لقارئه أحياناً سبب استخدامه لفظاً في سرده، بل لا يتردد في أن يقسم لكي يصدقه.
يلجأ الكاتب إلى «حيلة» التداعي غير المحكوم بالمنطق الفوضوي، فالتداعي الذي يعرف بأنه تدفق وانسياب في الخواطر والأفكار وأحلام اليقظة والرغبات المكبوتة، دون ترابط أو تسلسل منطقي، ليس هو ما يلجأ إليه الكاتب ليبث تجاربه المختزنة من خلال فعل الكتابة، بل إن الكاتب يعمد إلى سبر أغوار النفس والعلاقات الإنسانية بالقدرة على الإيحاء لتيار الشعور والابتعاد به إلى عوالم جديدة أعمق، لأن القارئ لا سبيل له لمشاركة الشخصية حياتها الكاملة إلا باتصاله بهذا الشعور.
ينتهي أحد فصول الرواية على سيبل المثل بمشهد للبطل يسير إلى جوار صاحبه شاعر قصيدة النثر داخل محطة المترو الذي لا يحبه بطل الرواية ولا يستخدمه، فيفاجأ بركاب المترو يلتفتون إلى حلقة صغيرة تتدلى من أذن صديقه، فينتبه بدوره إليها للمرة الأولى، فتكون تلك اللفتة إيذانا ببداية فصل جديد يحمل عنوان «ليس الذكر كالأنثى» يتحدث فيه البطل عن طفولته التي اضطرت خلالها أمه الى وضع حلقة بأذنه لحمايته من الموت حسداً. وهكذا تنتهي وتبدأ بقية الفصول.
ومع ذلك لم يدع شهية السرد المؤسس على التداعي توقعه في فخ الإطناب والحشو، ليظل ممسكاً بقارئه، يوجهه حيث شاء، حتى في تلك المرات التي استلبته فيها شهوة الحكي فنثر في ثناياها صفحات معلوماتية تقريرية عدة، إذ حرص أن تكون المعلومة جديدة، شيقة. ومثلما أعاد تقديم مفردات الحياة من منظور عين تحب، أعاد تقديم المعرفة المحضة من المنظور عينه، وكان ماهراً في اختيار المعلومة التي يتداعى الحديث عنها.
استخدم الكاتب لغة الحياة اليومية متراوحاً بين الفصحى والعامية، فأجرى على لسان الراوي السباب القبيح والألفاظ الخادشة الوقحة، بأريحية مطلقة. واستخدم مرات أخرى على اللسان نفسه الدعاء المحبب ذا اللغة الرفيعة، وهو نفسه من يردد مقطعاً من أغنية رومنطيقية بألفاظ رقيقة موحية حين يخلو إلى نفسه، فكانت لغة مر