حتى مقطع النفس.. رواية جديدة لرشا عبد الله سلامة / سلطان القيسي ( شاعر من فلسطين )

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
تضع الروائية الفلسطينية رشا سلامة بيضها في سلة واحدة، وتقدّمها للقارئ العربي بطريقة جديدة قديمة، حيث تناولت في روايتيها السابقتين حكايات إنسانية، ومشاهد يومية للفدائيين الفلسطينيين، واضعة ذلك في قالب اجتماعي ما، لكنها ارتأت في “حتى مقطع النفس” أن تتجاوز هذا الحيّز دون أن تتركه، فبنت عملها الجديد على أركان عدة أساسية، منحازة للسرد أكثر من الحوار، ومبتعدة عن القوالب الروائية الجديدة، باعتمادها منهج البساطة الذي يراوح بين الكلاسيكية و الحداثة.
فلقد رتبت رشا عبد الله سلامة أحداث روايتها على حبل الزمن بكلام مباشر وبسيط، مبتعدة عن التخييل والتأملات الغيبيّة، إلا أنها لم تتنازل عن القفزات الشعرية، خصوصاً حين تنساق وراء عواطف شخصياتها، متأرجحة بذلك بين لغة الحكاية ولغة الذات.
رشا سلامة التي تعمل في الصحافة منذ 2005 ، حملت جزءاً من يومياتها لتوظفه في الرواية الجديدة، حيث تعرضت من خلال أحداث “حتى مقطع النفس” للوسط الصحافي العربي، لمشكلاته وخفاياه، كذلك عرجت على كواليس المشهد الثقافي، وحاولت فكفكة طلاسمه التي لا يعرفها إلا من انخرط فيها وعاينها و عايشها، كذلك انبنت الرواية على معالجة قضية المرأة الفلسطينية قبل النكسة وبعدها، وعاينت البيت الفلسطيني في البلاد و في المنفى.
واقترحت سلامة فلسفة جديدة في الرواية هذه، أو مفهوماً جديداً في التعاطي مع الطعام. فنجد البطلة في “حتى مقطع النفس” تعتبر المطبخ عيادة نفسية صغيرة، وتفلسف الأطعمة وفقاً لما يدور في حياتها، بل كانت تستخدم الطبخ لتخرج من عزلتها أو لتخلق أجواء حب مع حبيبها في المتجر.
الرواية الصادرة عن دار ورد 2014، وقعت في ( 95) صفحة من القطع المتوسط، تجاوزت الحكاية لتعاين شخصيات مختلفة قامت عليها الرواية، وتحرّشت بالمجتمع أكثر من مرة، حيث تحكي الرواية عن فتاة فلسطينية اسمها “ريما بكّار” في نهاية العشرينيات تحب و تتزوج خمسينياً اسمه “عبد القادر ياسين”، برغم أن ذلك مخالف لتوقعات من حولها. تختاره بعد أن يفلح في احتوائها و في لملمة ما بدأ يتشظّى من عذوبتها وسط مجتمع قاسٍ مهنياً واجتماعياً. تنجب منه طفلةً تسميها ياسمينة. للحكاية أبعاد أكبر من مجرد حكاية غرامية هادئة الإبقاع اذ تناقش بين السطور الأنا الذكورية المتضخمة في المجتمع العربي، وأزمة الزواج، والنظرة النمطية لمن تتجاوز العشرين من دون زواج وعن الواقع الفلسطيني المعقد فكرياً ودينياً.
يحسب لرشا سلامة في هذه الروية أيضاً، استغلالها للمفردات المتعلقة بالثقافة الفلسطينية، وكذلك عملها على نقل القرية الفلسطينية و متعلقاتها، بطريقة مقنعة ولا توحي بالإلحاح وليّ عنق السرد، حيث تمتاز رشا بالبساطة والسلاسة، حتى في قراءاتها كما تورد في إحدى حواراتها أنها لا تقرأ الشعر المبهم، بل تختار الحداثي الذي يلامس الواقع، كما تبتعد في كتابتها عن مشاكسة التابوهات، وتنأى بنصها عن الجدل، ولكنها تضعه بثقة واطمئنان دائماً.