حسان مراد: تنتهي الشخصية في اليوم الأخير للتصوير

الجسرة الالكترونية الثقافية-السفير-

هاجسه: التمثيل. مع هذا، مرّت أعوام طويلة من دون أن يمثّل. سافر إلى دول كثيرة، وعاش في مدن عديدة. ظلّ التمثيل هاجسه. قبل 4 أعوام، أطلّ في «شتّي يا دني» (2010) لبهيج حجيج: عودة مخطوف بعد 20 عاماً من الفقدان. استعاد حضوره التمثيلي، سينمائياً وتلفزيونياً، هو الذي اختبر سابقاً الأداء المسرحيّ مع الراحل يعقوب الشدراوي، كما مع نضال الأشقر وروجيه عساف.

حسان مراد على الشاشتين الكبيرة والصغيرة. السينما فن وحياة. التلفزيون تمثيل ومهنة. حوار معه حول عناوين متفرّقة.

 

أمضيتَ وقتاً طويلاً من دون أن تمثّل في أعمال فنية متنوّعة، قبل أن يُشكّل «شتّي يا دني» بداية مرحلة خصبة بالنتاجات المختلفة، سينمائياً وتلفزيونياً على الأقلّ.

^ إن من يشتغل في هذه المهنة لا يتخلّى عنها. في العام 1995، رجعتُ من كندا. الفترة الممتدة بين العامين 1995 و1999 كانت ذهبية بالنسبة إلى لبنان على مستوى الوضع الأمني، وبالنسبة إليّ على المستوى المهنيّ. شعرتُ بأني قادرٌ على الاستقرار والعمل في مهنتي. لكن، حدث أني اضطررت إلى مغادرة البلد في العام 1999، بسبب تردّي الوضع الاقتصادي، وتراجع عملية الإنتاج السينمائي والفني. عند أول فرصة سنحت لي، غادرتُ. صارت هناك مسؤوليات عائلية أهم بالنسبة إليّ من الفن، الذي بدأ يتدهور هو أيضاً. غادرتُ إلى أبو ظبي للعمل. أمضيت هناك 10 أعوام. لكن هاجس المسرح والسينما ظلّ مرافقاً لي. أثناء إقامتي في أبوظبي، أدّيتُ أدواراً قليلة، منها دور اقترحه عليّ الفنان الصديق أيمن زيدان في مسلسل «هولاكو» (2003) للسوري باسل الخطيب.

منذ صغري وأنا أحلم بأن أكون ممثلاً. على الرغم من المشاكل الأمنية والحياتية كلّها، فقد كنتُ دائماً أصرّ على ممارسة هذه المهنة التي اخترتها منذ أول وعي لي في الحياة. أحياناً، في فترة أبو ظبي، كنتُ أوافق على كل «كاستنغ» يُعرض عليّ، وكنت أشتري بطاقة سفر على حسابي الخاص. مع بهيج حجيج، هذا ما حصل: «كاستنغ» لمرّتين. في الأولى، قال: «أوكي». بعد أشهر، طلب إعادة الـ«كاستنغ». وافقت. ثم تحدّثنا عن الدور، واتفقنا على التعاون معاً، فكان «شتّي يا دني».

كانت العروض التمثيلية قليلة بشكل عام، والسينمائية أقلّ. ربما لهذا وافقتُ على أن أحضر إلى لبنان للـ«كاستنغ». أي فرصة يُمكن أن أحصل فيها على دور سينمائي ما، كنتُ أحضر، بسبب ندرة الأفلام والأدوار، ولأني كنتُ مقيماً خارج لبنان أيضاً. موافقتي على هذا المشروع منطلقة من إعجابي بالسيناريو، ومن مساحة دوري فيه، ومن كون الشخصية مركَّبة ومكتوبة بطريقة تسمح بالاجتهاد.

هل يعني هذا أن عودتك كانت مُقرّرة لديك، نفسياً على الأقلّ، وعند أول فرصة وافقتَ على التمثيل؟

^ هناك عوامل عديدة أخرى، أبرزها الرغبة في العودة إلى التمثيل بعد أعوام من الانقطاع عنه. عندما أتيح لي ظرفٌ مناسبٌ لعودتي السينمائية، عدت. نفسياً، كنتُ جاهزاً للعودة إلى البلد. تحوّلت الحياة في الخارج إلى روتين قاتل، خصوصاً عندما يُصبح الشغل هناك غير مُقنع إلاّ لأسباب مالية. هذه الفرصة كانت مناسبة جداً. انتزعتها من مرشّحين كثيرين، واشتغلتُ عليها كثيراً.

وافقتُ على الدور ليس فقط لأن الشخصية مركّبة. الفيلم يطرح موضوعاً مهمّاً جداً: هناك 17 ألف مخطوف ومفقود. هذه قضية وطنية. بهيج حجيج يطرح قضية كبيرة جداً. أهالي المخطوفين والمفقودين لا يزالون يعيشون حالة انتظار. زِدْ على ذلك الشخصية بحدّ ذاتها. لقد أحببتُها. تماهيتُ معها بسرعة. شعرتُ بأن لديّ القدرة على تأديتها، خصوصاً بعد انقطاعي الطويل عن التمثيل. الشخص الموجود فيّ بمستوياته كلّها، النفسية والمهنية والفكرية، قادر على إيصال الشخصية إلى اللحظة السينمائية المطلوبة، خصوصاً أني عارفٌ بكون هذا كلّه تحدّياً كبيراً لي، وعارفٌ بكون بهيج نفسه يواجه تحدّياً على مستوى اختيار الممثل المناسب لهذه الشخصية. هذا كلّه جعلني أشعر بنوع من الخوف. هذا كلّه دفعني إلى أن أكون جدّياً في الاشتغال والتدرّب على الشخصية في البيت.

لكن، ما هي عوامل الجذب التي تدفعك إلى قبول هذه الشخصية أو تلك؟

^ إلى أي مدى تكون لهذه الشخصية علاقة بالسياق الدرامي، وهل هي مؤثِّرة في الخطّ الدرامي للفيلم أو للعمل الفني. على هذا الأساس، أوافق. لاحقاً، على مستوى مساحتها. وأيضاً، عندما يُمكن للممثل أن يوظّف كل مساحة التعبير لإيصال الشخصية إلى مبتغاها، أو إلى ما يريده المخرج. في الوقت نفسه، إذا كانت مساحة الدور صغيرة، لكن مؤثِّرة في السياق العام، أوافق أيضاً.

بالنسبة إلى «طالع نازل» (2013) مثلاً، فقد عرض عليّ محمود حجيج العمل معه. عملتُ على إحدى شخصيات الفيلم الست التي تتقاسم البطولة، هي أيضاً شخصية مُركّبة، تطلّبت وقتاً من العمل والجهد والتحضير النفسي. عملتُ وحدي أحياناً، وأحياناً أخرى مع المخرج في جلسات طويلة، كما حصل مع الممثلين الآخرين. كان العمل مُمتعاً مع محمود حجيج، والنتيجة جيدة جداً، وإن كانت هناك ملاحظات متنوّعة.

أي شخصية أمثّلها تبقى هاجساً ما دمت لا أزال أمثّلها أو لم أمثّلها بعد. في «طالع نازل»، كانت الشخصية مكثّفة أكثر زمنياً. مشهد الجلسة في العيادة النفسية وحده مدّته 14 دقيقة. لقطة واحدة. مع بهيج حجيج، كان التواصل هاتفياً. عندما يكون لديّ عمل كهذا يُصبح هاجسي (لاحقاً) الاشتغال على إخراج الشخصية من ذاتي. لا أؤمن بمن يقول إن الشخصية تعيش مع الممثل طويلاً. سمعتُ من يصرِّح بهذا. هذا ادّعاء فارغ، ومرض نفسيّ يحتاج إلى علاج. الشخصية تنتهي معي في اليوم الأخير للتصوير. لكن العمل عليها يبدأ منذ قراءتي السيناريو للمرّة الأولى. إنها القراءة الأكثر إثارة للخيال بالنسبة إلى الممثل كما يقول لي ستراسبرغ. أي شيء تقرأه للمرّة الأولى يثير الخيال. لكن، إلى أي مدى يقدر الممثل على الحفاظ على هذه الاستجابات، وعلى كيفية إعادة صوغها في عملية تركيب الشخصية؟ هذا هو السؤال. أحياناً، أصبح غائباً بالنسبة إلى أفراد عائلتي. لكن، عندما أنتهي، أعود إلى حياتي بشكل عادي وطبيعي.

إذاً، هل هناك آلية ما تستعين بها في اشتغالك التمثيلي؟

^ التجربة في الحياة مهمّة جداً. جزء كبير من أداء الممثل ناتجٌ من هذه التراكمات التي تولّدها الأعوام والتجارب. زِدْ على ذلك تجربتك الانفعالية: إلى أي مدى يمكنك توظيف هذه التجربة في هذا الدور أو ذاك؟ لا أعرف.

هناك أمرٌ آخر: يُفترض بالممثل أن يُقيَّم نفسه تقييماً ذاتياً بعد أدائه كل دور. يُفترض به أن ينظر إلى هذا الدور من بعيد، ليُجري حسابات متعلّقة بالأخطاء، وبالأمور الصحيحة. هذا مهمّ جداً.

أما عن كيفية عملي، فأنا أحاول أن أتصوّر كل مشهد انطلاقاً من تخيّلاتي، وبطرق عديدة، إذ يُمكنني تأدية هذا الدور أو ذاك، بهذه الطريقة أو تلك، طبعاً بما يتناسب مع الخط الدرامي، وضمن حيّز الشخصية. أتساءل وأفكّر: ما هو الأسلم بالنسبة إليّ على مستوى اللحظة التمثيلية؟ فالفيلم السينمائي مجموع الشخصية ضمن كل حيّز، وكل فصل، وكل مشهد. اللحظة هي العاطفة والانفعال الموجودان فيها أثناء التصوير. هي التي تطلع بشكلها «العفوي المدروس» الذي أكون قد حضّرته جيداً. من هنا، يُصبح الأداء شبيهاً بالطبيعة، شبيهاً بأداء الأطفال الذين هم أشطر من يُمثّل، لأنهم غير معقّدين بالنظريات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى