حصاد ثقافي خليجي: كتاب وشعراء سعوديون يودعون العام 2015

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

زكي الصدير

 

على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي سرقت بساط الجماهيرية شيئا فشيئا من تحت أقدام الكتاب المطبوع، حيث وجد فيها المبدعون سقوفا أعلى لحرية أكبر في التعبير عن أفكارهم وأسئلتهم، غير أننا -مع ذلك- شهدنا هذا العام في السعودية ازديادا في المطبوعات أكثر من العام الماضي على مستوى العدد والجودة أيضا. وتخبرنا الإحصائيات التي يقدمها الباحثون أرقاما مطّردة في جميع الأجناس الأدبية، من شعر، ورواية، وقصص قصيرة، ومسرح، ونصوص أدبية مفتوحة.

 

في الشعر والرواية

 

مازالت قصيدة النثر تتسيّد المشهد الشعري في السعودية، فعبرها دخلت المشهد مجموعة أسماء شابة جديدة هيّأت لنفسها مواضع في تجربتها التي أتت متوسدة على نص مختلف عبّر عن أحلام هذا الجيل وآماله بلغة مغايرة. ومع هذا الحضور استمرّ الجيل السابق في إصداراته التي عزز بها هذه السيادة أيضا، فخلال هذه السنة طبعت تجارب مهمة لإبراهيم الحسين ومحمد الحرز وعبدالله السفر وأحمد الملا وعبدالوهاب العريض ومسفر الغامدي وإبراهيم زولي وصالح زمانان وقاسم المقبل وآخرين. كما نال شعراء آخرون نصيبهم من الجوائز العربية والدولية، فقد فاز علي الحازمي بجائزة الأرجواي العالمية للشعر، وفاز بجائزة راشد بن حميد الإماراتية للثقافة، في الشعر العمودي ناجي حرابة وحسين آل عمار، وعن الشعر الحديث، فاز محمد إبراهيم يعقوب، وفريد النمر، وعلي النمر، وعن شعر الأطفال، فاز ياسر الغريب، ونجيبة الشبة. وأيضا كرّم نادي الطائف الأدبي أحمد الملا عن كامل تجربته الشعرية ولإسهاماته في المشهد الثقافي السعودي، وقدّمت جائزة الشعر لجاسم الصحيح.

 

وربما كان أبرز حدث شعري في هذا العام هو تكريم الشاعر محمد العلي في مهرجان بيت الشعر الأول في فنون الدمام الذي حمل اسم العلي في دورته الأولى. حيث تمّ التكريم وسط احتفالية عربية كبيرة شارك فيها شعراء وفنانون عرب وخليجيون وسعوديون. ويعمل بيت الشعر حاليا على تنظيم احتفالية ليوم الشعر في دورته الثانية، في 21 مارس 2016، ويسعى منظموه إلى أن يكون عالميا عبر توسيع مشاركة الشعراء لمختلف أنحاء العالم، فمن المتوقع أن يشارك شعراء من إيطاليا والهند وأميركا.

 

غابت الرواية السعودية عن القوائم المرشحة لجائزة البوكر خلال العامين 2012، 2013، بعد أن كانت متصدّرة بجدارة في الصفوف الأولى لسنتين متتاليتين 2010 و2011، من خلال تصدّر عبده خال ورجاء عالم، غير أنها بعد ذلك توارت تماما، ثم أطلّت على المشهد على يد بدرية البشر. وفي الحقيقة، لم يستطع المشهد السردي خلال 2015 أن يلفت انتباه القراء برواية تعيد الاعتبار للمشهد السردي في السعودية، ماعدا رواية “ة النسوة” لفاطمة عبدالحميد التي راهن عليها العديد من النقاد. وربما كان فوز الروائي محمد حسن علوان بجائزة معهد العالم العربي للرواية العربية للعام 2015 عن روايته “القندس” (الصادرة عن دار الساقي 2013) التي خصصت لأفضل راوية عربية مترجمة أو مكتوبة في مقر معهد العالم العربي في باريس، والتي تمنح بالتعاون مع مؤسسة لاغاردير الفرنسية هي الحدث الأبرز في المشهد السردي.

 

الأندية والجمعيات

 

مع أن فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالمملكة لا تحظى بأيّ دعم حكومي سوى مخصصات الفروع التي لا تتجاوز 50 ألف ريال سعودي (14 ألف دولار)، يصرفها الفرع عادة على الشاي والقهوة للضيوف. إلا أن الجمعيات استطاعت رغم ضيق ذات اليد أن تقدم للمشهد الثقافي الكثير على المستوى الفني والمسرحي والسينمائي والتشكيلي والموسيقي أيضا، وذلك بخلاف الأندية الأدبية التي تحظى بمخصصات مالية سنوية كبيرة تصل إلى مليون ريال (266 ألف دولار)، وأيضا بدعم ملكي قدّم 10 ملايين ريال لكل ناد أدبي في المملكة قبل عدة أعوام. وبرغم هذا الدعم الكبير بقيت الأندية الأدبية مجرد أثر بعد عين، تقدّم بين فترة وأخرى أمسياتها الكلاسيكية الخجولة الباردة دون أيّ محاولة للأخذ بيد المشهد الثقافي لمنطقة أكثر احترافية مستعينة بالكادر الإنساني والمخصصات المالية.

 

وفي خضم هذه التجاذبات الطارئة بين الجمعيات والأندية الرسمية استطاعت الملتقيات الأهلية أن تكون صاحبة النصيب الأعلى جماهيريا في المتابعة لها، حيث يجد فيها المهتمون السقوف الرفيعة والحرية العالية في التعبير عن أسئلتهم ومخاوفهم بعيدا عن المنصات الرسمية التي تفترض بريستيج رقابي للخطاب الإبداعي.

 

 

مطاردات المحتسبين

 

لا يهدأ رجالات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحتسبون المتطوعون من مطاردة أي حدث ثقافي يحتملون فيه أن يصادف الرجل المرأة ولو عبر الدائرة التلفزيونية، أو يستشعرون خلاله رائحة آلة موسيقية في حدث ثقافي أو فني في ناد أو جمعية.

 

وربما كان أبرز حضور لهم هـذا العام حين شكّل بعض المحتسبيـن وفـدا من المشايخ للذهاب إلى جمعية الثقافة والفنـون بالريـاض مطالبين رئيسها سلطان البازعي بتطبيق شرع الله، وبمنع الموسيقى التي اتفقت على تحريمها هيئة كبار العلماء في السعودية.

 

حيث أن الجمعيات تشتمل على لجان لتعليم الموسيقى ولتنظيم حفلات موسيقية وغنائية دورية لخريجيها.

 

ولم تفلت الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض جدة الدولي للكتاب الذي اختتم مؤخرا من مناصحات المحتسبين حيث اقتحم بعضهم أمسية الشاعرة أشجان هندي بحجة عدم التزامها بالحجاب الشرعي.

 

هذا، وقد قامت عدة إدارات فروع للأندية الأدبية بمخاطبة وزارة الثقافة والإعلام من أجل حمايتها من التعدّي على فعالياتها الثقافية ولا سيما بعد حادثتي الاعتداء التي حصلت من رجال الهيئة على ناديي أبها والطائف الأدبيين في نوفمبر الماضي أثناء إحدى الأمسيات التي شاركت فيها شاعرات سعوديات، حيث اقتحمت الهيئة مبنى الناديين بحجة وجود مخالفات شرعية، وقامت بمطاردة بعض الأدباء داخل وخارج المبنى. وتتركز المطالب على ضرورة وضع إطار واضح للنشاط الثقافي يحدد عمل الأندية ويمنع من حصول اعتداء من أي نوع على أنشطتها.

 

 

معرض جدة للكتاب

 

على مساحة 20 ألف متر مربع بمنطقة أبحر انطلق معرض الكتاب الدولي بجدة في 11 ديسمبر 2015، بمشاركة 19 دولة خليجية وعربية وعالمية، وذلك بحضور قرابة 400 دار للنشر، أي ما تُعَدّ نسبته أقل من50 في المائة من مشاركة دور النشر في معرض الرياض الدولي في مارس الماضي، حيث شارك أكثر من 900 دار محلية وعربية وعالمية.

 

الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض التي تشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام، تنوعت بين المسرحية والشعرية والإعلامية والسردية والنقدية والرياضية والاجتماعية. حيث شاركت مسرحية “هل أراك” من إخراج ياسر الحسن، ومجموعة أمسيات شعرية شارك فيها كل من الشعراء أشجان هندي، وحيدر العبدالله، وإبراهيم زولي، وهند المطيري، وندوات مختلفة عن رواد الأدب والثقافة في المملكة، وعن جدة والفنون، وعن أثر الإعلام في تكريس الصورة النمطية، وعن الرواية السعودية بين الزخم الكمي والأسلوب، وعن المصداقية في الإعلام الجديد، واختتمت الفعاليات بندوة شارك فيها سعد البازعي وعلي الرباعي وعبدالله العسكر تحت عنوان “العلوم الإنسانية: الواقع والدور”. هذا بالإضافة إلى ورش عمل متعلّقة بالثقافـة وبصنـاعة النشـر ومستقبلها.

 

 

غياب سينمائي

 

في ظل غياب دور السينما، وبلا تمويل رسمي، ووسط انتقادات من التيار المحافظ في السعودية انطلق هذا العام مهرجان الأفلام السعودية في دورته الثانية بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، والتي شهدت أكثر من 7500 مشاهد ومشاهدة خلال أيام العرض، حيث تنافس 66 فيلما و34 سيناريو غير منفذ على النخلة الذهبية والفضية والبرونزية بجوائز تصل قيمتها (180 ألف ريال سعودي/ 48 ألف دولار) تقدم على شكل تمويل لإنتاج مشروعات أفلام الفائزين الجديدة، وذلك ضمن مسابقات الأفلام الروائية القصيرة، والأفلام الوثائقية، وأفلام الطلبة.

 

وكذلك على مستوى كتابة السيناريو السينمائي. تأتي هذه الجوائز من ممولين وشركات من القطاع الخاص آمنت بالمشروع فدعمته.

 

ورغم انتقادات التيار المحافظ الذي تعسكر في مواقع التواصل الاجتماعي محاولا إجهاض المهرجان غير أن هذه الحملة لم تؤثر لا من بعيد ولا من قريب على فعالياته التي مضت بخطى ثابتة، وباحترافية كبيرة بمساعدة متطوعين ومتطوعات فاق عددهم المئة.

 

وتعمل الجمعية حاليا على تنظيم الدورة الثالثة للمهرجان السينمائي الذي ستنطلق في الثالث من مارس القادم عام 2016.

 

كما سينطلق في السادس والعشرين من يناير القادم مهرجان الشباب للأفلام في دورته الأولى تحت رعاية الرئاسة العامة لرعاية الشباب. ولقد فاز قبل أيام الفيلم السعودي “بسطة” للمخرجة هند الفهاد بجائزة المهر الخليجي للفيلم القصير كأفضل فيلم خليجي في عام 2015، في ختام مهرجان دبي السينمائي، إلى جانب فيلم “مريم” للمخرجة السعودية فايزة أمبا الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

 

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى