حفلات التوقيع منصة تفاعلية بين المؤلف والجمهور

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
انتشرت حفلات توقيع الكتب في الإمارات في السنوات الأخيرة بشكل لافت فأصبح الناشرون والكتاب يحرصون على إقامة هذه الحفلات في كل المناسبات الثقافية الكبرى كمعارض الكتب والمهرجانات الثقافية، أو في أروقة المؤسسات الثقافية العامة والمكتبات الخاصة، سعياً منهم إلى التعريف بإصداراتهم الجديدة، واستقطاب القراء لاقتنائها وقراءتها، وفي الوقت الذي ينظر فيه بعض الكتاب لهذه التجربة بوصفها إيجابية تستحق الوقوف عندها، لما لها من ميزات في نشر الكتاب والتعريف بالمؤلف، يرى البعض أنها تحتاج إلى مراجعة تراعي مجموعة من العوامل يمكنها أن تكفل لها النجاح، لكي تخرج من الإطار الإعلاني والتسويقي والدعائي البحت .
الكاتب والناشر جمال الشحي مؤسس دار “كتّاب” المدير التنفيذي لإدارة التطوير الثقافي في مؤسسة محمد بن راشد، يعتقد أن هذا التقليد لم يكن موجودا من قبل، وقد بادرت به مؤسسة “كتاب” وأصبح من الأمور اللافتة في المشهد الثقافي الإماراتي، ويؤكد الشحي أن حفلات تواقيع الكتب هي عملية تسويقية للمنتج الأدبي وهو الكتاب وهو أيضا ترويج للمؤلف، وهي جزء لا يتجزأ من عملية النشر، كما أنها جزء من الحراك الثقافي، وسعي لأن تكون الثقافة حية، فالثقافة الميتة هي الموجودة على الأرفف كما يؤكد الشحي، والسحر في الثقافة هو التفاعل الخلاق، الذي يوفر من خلال حفل التوقيع منصة تفاعلية ما بين الكاتب والقارئ المتلقي . ويعتقد الشحي أن حفلات تواقيع الكتب هي ظاهرة موجودة في الغرب، حيث يهتم المؤلفون هناك بالكتاب على نحو يليق به كمنتج ثقافي ومعرفي وهي ظاهرة تسهم في التعريف بطرفي المعادلة: الكاتب والمؤلف وقد أصبحت تقليدياً مهماً يحظى بالتغطية الإعلامية والثقافية، وهو ما يؤكد احترام الثقافة كمنجز فكري وحضاري للأمم والشعوب .
الشاعر حارب الظاهري قال إن توقيع الكتب هي ظاهرة حضارية تعكس وعياً متقدماً بأهمية الكتاب في حياة الشعوب، وبقيمة الكتاب كمنتجين للمعرفة، وهي تخدم الكتاب لأنها أول إعلان عنه ودعاية له تخرجه من حيزه الضيق إلى حيز أكبر، ولأنها ثانيا تتيح للقراء اللقاء المباشر مع الكاتب، ولذلك ما له من أهمية خصوصا إذا كان كاتباً مشهوراً له تاريخه .
لكن الظاهري يرى أن تطبيق الظاهرة في الإمارات والوطن العربي عامة تشوبه تشوهات، حيث لا توجد الوسائل التنظيمية التي تكفل إخراج هذه العملية بشكل جيد وجذاب .
الروائية فاطمة المزروعي تقول: “كنت في البداية معترضة على مسألة توقيع الكتاب، وأرى فيها إهداراً لقيمة الكتاب والكاتب، صحيح أن الكتاب من حقه أن يروج، ومن حق الناشر أن يعلن عن منتجه، ويلفت انتباه القراء إليه، لكنّ التركيز لا ينبغي أن يكون على الشكليات، وعلى المظاهر التي قد تكون خادعة، بل ينبغي أن نروج الكتاب بمضمونه، وبما يقدمه من قيمة إبداعية وعلمية للقارئ، وإذا كان لا بد من حفل التوقيع فينبغي أن يكون ذلك مرة واحدة، فهي تفي بغرض الإعلان والترويج . وتضيف المزروعي ما يحدث اليوم هو أن الكاتب يوقع كتابه في أحد معارض الكتب، وبعد ذلك بأيام يوقعه في مكتبة ثم في مؤسسة عامة ثم في منتدى ثقافي، وهكذا، فقد تمر ثلاث سنوات أو أربع، وهو يقيم حفلات التوقيع لكتابه حتى لا يبقى منبر ثقافي إلا ووقع فيه، وتجده في كل مرة يبعث بالرسائل والدعوات إلى أصدقائه لحضور توقيع الكتاب نفسه، فيبدو الأمر كأنه استجداء للجمهور .
وترى الكاتبة عائشة سلطان مديرة دار ورق للنشر أن النظرة تجاه حفلات التوقيع تغيرت خلال السنوات الأخيرة، إذ كانت سابقاً محصورة على الكتاب المشهورين، أما اليوم فتحولت الحفلات إلى وسائل ترويج للكتب والإصدارات الجديدة، بغض الطرف عن أسماء أصحابها وعمر تجربتهم، إذ بات المشهد الثقافي الإماراتي يشهد حفلات توقيع لكتاب ناشئين . وتؤكد أن هذه الحفلات أسهمت في ترويج الكتاب وزيادة انتشار الكتب بين القراء، مع تباين جودتها، فكما روجت الحفلات لكتب جيدة روجت في المقابل لكتب سيئة .
وبدوره، أكد الشاعر والناشر طلال سالم، أن حفلات تواقيع الكتب تقليد إيجابي، وهو لم يكن موجوداً من قبل، إلا بشكل قليل، ونادر، وها هو الآن، في السنوات الأخيرة، أصبح أشبه بظاهرة ثقافية عامة، وقد أتاح فرصاً كبيرة للقاء بين القراء والكتب، بل وبين القراء والكتّاب، وأكد سالم أن من الأوجه الإيجابية هنا نشوء حالات الحوار التي ترافق تعقب هذه الحفلات، واعتبرها جد مهمة بل وضرورية، إضافة إلى أنه يتم الترويج للكتب، وهو في جوهره ترويج لعمليات القراءة التي بتنا، الآن، نتحدث، عن انحسار دائرتها بشكل يدعو إلى الخوف، ورأى أنه على مثل هذه الحفلات التي تقام أن تنشر ثقافة شراء الكتب .