حول ما يحدث في غزة الآن / علي الزهيري

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
الفرح لقتل جندي إسرائيلي أو أسره، ليس استخفافاً بالدم الفلسطيني أو تهاوناً فيه، ولا نحرق هنا خمسين ديناراً للبحث عن قرش ضائع في شارع مظلم، كما تقول النكتة القديمة، وإنما أشبه ما يكون بالبحث عن وردة صغيرة وسط هذا الدمار، فقط دعوة خجولة للقلب لكي يبتسم ولو في الخفاء.
إنّ الدم الفلسطيني المُراق أشرف من كل القيادات بغض النظر عن كنهها وتوجهاتها، ومن تخسر ابناً لا تكفيها دماء البشرية قاطبة لتعوضها عنه، وإنّ دمعة تتلألأ في عين أب مفجوع كفيلة بإغراق العالم بأسره في بحر من العار.
وأفهم تماماً أن حجم الخسائر الفلسطينية بالتأكيد سيكون أكبر من الإسرائيلية على الصعيدين المادي والبشري، وهذا لا مجال للمقارنة فيه بحكم الإمكانيات العسكرية والتواطؤ الدولي والعربي، لكن المسألة ليست معادلة بسيطة ومباشرة، لعدة أسباب:
أولاً: إسرائيل بهذه الحملة المجنونة والهمجية تضغط على الأهالي وقيادات المقاومة من أجل الرضوخ والقبول بشروط الاحتلال، والتنازل عن الشروط التي تطلبها المقاومة، فكلما زادت الخسائر زاد الشعور بالإحباط والهزيمة على المستويين المدني والعسكري.
ثانياً: تصريح نتنياهو واضح ومباشر “الحملة على غزة مستمرة حتى تحقق أهدافها”.. إذن هناك أهداف مسبقة وواضحة بالنسبة لجيش الاحتلال.. كان سينفذها، سواء ردت المقاومة أو انتظرت حتفها جراء الحملة القادمة لتصفيتها، ولا أظن أحداً يطلب من أي كائن حي الاستسلام وانتظار الموت، فكيف بالإنسان!
ثالثاً: (وسأتحدث هنا عن هذه الحرب وحدها لمزيد من الدقة) إذا كانت دماء الغزّيين في رقبة حماس، وإن عنجهيتها يدفع ثمنها الأهالي بفلذات أكبادهم، فأين ستذهب؟ الجانب المصري مغلق تماماً كما هو معلوم، والجانب الفلسطيني لا يرحب بهم كمقاومين أو حتى كمواطنين منزوعي السلاح، هذا إذا كان يرحب بهم أحياء، ناهيك عن الجانب الإسرائيلي، فأين سيذهبون؟ هل نطلب منهم تسليم السلاح والاستسلام وانتظار الناقلة الإسرائيلية في إحدى ساحات غزة حتى تأتي وتصحبهم؟ هل ندعوهم للانحناء من أجل أن يمر العمر بسلام؟
رابعاً: إذا كان الاستسلام هو الحل من أجل حفظ أرواح الأحياء، فماذا سنقول للأموات؟ وهل بالفعل الاستسلام حل؟ وإلى أي حد تختلف الظروف في الضفة الغربية المسالمة؟ لو تأملنا قليلاً لوجدنا المحصلة واحدة لكن باختلاف التفاصيل، فحياة المعابر ليست أكثر كرامة من حياة الغزيين، كما أنّ القوات الإسرائيلية تنفذ أي اغتيال تريده في الضفة الغربية وفي وسط الشارع، وكلنا نتذكر الشهيد محمد مبارك من مخيم الجلزون الذي قتل في الشارع قرب رام الله، وأيضاً معتز وشحة الذي قتل في منزله في بيرزيت بعد محاصرته، بحجة انتمائه للجبهة الشعبية، وغيرهما الكثير، فأي سلام واستسلام هذا؟
وأخيراً: إن كل حرب جديدة شرارة محتملة لمعركة تحرير شاملة، وأتمنى أن تكون هذه هي الحرب الأخيرة، وقد يكون هذا مبالغاً فيه، لكن شيئاً في داخلي يتمنى لو أشهد نهاية هذا الاحتلال البشع الذي شرّد أهلي وفرّق أمتي.
*ولا بد من التنويه هنا إلى أنّ المشاعر والانفعالات تختلط وتضطرب كثيراً في مثل هذه الظروف، لذا أطلب منكم التجاوز عن أخطاء الآخرين حفاظاً على وحدة الصف، وأعتذر إن كنت أسأت لأحدكم دون قصد سابقاً، والمسألة ليست شخصية أبداً، لكن هذا الجرح القديم لا ينفكُّ يغلي ويثور.