«خارج الثلم».. اللغة العربية إثماً

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أمل كعوش
المصدر: السفير
منذ عام تقريباً أطلقت مجموعة «مناهضة الخدمة الإجبارية» في الداخل الفلسطيني المحتل حملة «ارفض..شعبك بيحميك» التي تدعو الشباب الفلسطينيين من الطائفة الدرزية إلى رفض التجنيد الإجباري المفروض عليهم من قبل السلطات الاسرائيلية بفعل قانون الخدمة الإجبارية الذي يسري فعليًّا على الفلسطينيين الدّروز منذ العام 1956.
من الفاعلين البارزين في تلك المجموعة ميسان حمدان (قرية عسفيا، جبل الكرمل)، الناشطة التي تتعدى اهتماماتها أطر الحراك السياسي التقليدي، إذ إن لدى ابنة الثلاث والعشرين ربيعاً موهبة في تأليف الأغنيات، وقد وجدت في أسلوب الراب طريقة للتعبير عن الواقع السياسي الذي تعايشه كفلسطينية شابة. آخر ما قدمته ميسان في تلك الساحة، أغنية حملت عنوان «خارج الثّلم» أطلقتها عقب حوادث الاعتداءات المتكرّرة من قبل مجموعات يهود متطرّفين على شباب فلسطينيين دروز كان ذنبهم الوحيد هو تكلمهم باللغة العربية في أماكن عامة. صدف أيضاً أن الشباب المعتدى عليهم مجندون في جيش الاحتلال، كان آخرهم شاب ظهر في تقرير إخباري يصافح جماعة يمينية يهودية متسامحاً وموافقاً إياها على «وحدة الدم الدرزي – اليهودي»، فيما كانت ملامح وجهه ما تزال متورمة بفعل الضرب المبرح. بعربية ذات مخارج حروف واضحة تفتتح ميسان أغنيتها قائلة «بَحْكي عربي، بَاكُل كَفّ/ بتحكي عربي، بتاكُل كَفّ/ الكفّ الأول بيوجّع/الكفّ الثاني بيسمّع/الكفّ الثالث بيلمّع/ والعفن لافِف لفّ». تكمل ميسان وصفها لمشهد التسامح الذليل الذي استفزها لكتابة الأغنية، فتصوِّر حوارية ما بين المعتدي والمعتدى عليه «جرّب اطلع جرّب/ جرّب اطلع وشوف/ مش كف واحد عَ وجهك / رح تاكُل عشر كفوف»، فيقابلها: «روّق ادوني (سيدي) أنا بخدم في جيشك/ كنّك مش عارفني؟ أنا من بني معروف» ليأتيه الرد الاسرائيلي: «انت مجرّد خادم، بيتك في إيدك هادم، جدّك في قبره صادم، عم بحكيك من على الروف». تكمل الأغنية بالوتيرة نفسها لتصل إلى خاتمة تلخّص واقع الخدمة الإجبارية «شو ما تعمل انت بتظل فلسطيني / بترقص عالأنغام وأنا بطبّل عالدفّ».
اللافت أن أغنية «خارج الثلم» قد رأت النور بتعاون فريد، إذ إنها من إنتاج مغني الراب اللبناني المعروف مازن السيد («الراس») الذي سبق وكان له تعاون مع فناني الراب من رام الله المعروفين بـ «الناظر» و «مقاطعة»، إلا أن تعاونه مع ميسان هو الأول مع شباب الداخل الفلسطيني.
هذا التعاون جاء عفوياً وبدون تخطيط مسبق بعدما ألحت إحدى صديقات ميسان على أن تقوم الأخيرة بمراسلة «الراس» ومشاركته بما تؤلفه. فكانت حصيلة ذلك التواصل ولادة عمل غنائي سياسي وبإمكانيات جد متواضعة، حيث أن صوت ميسان كان مسجلا عبر جهاز آيفون ليس إلا. المتابع لغناء ميسان يلحظ في «خارج الثلم» إيقاعاً جديداً في أدائها وثقة أكبر، أضفى عليه اخراج «الراس» بعداً جديداً، لتلاقي الأغنية استحساناً وإقبالاً كبيرين في الأوساط الفلسطينية واللبنانية على حد سواء.
«خارج الثلم» هي التعاون الأول وليس الأخير ما بين «الراس» وميسان حمدان، الشابة التي ترفض ورفاقها أن يكونوا «داخل الثلم» قولا وفعلا، هم الذين لديهم شعب يحميهم.