خافيير بارديم: في غزّة حرب إبادة

الجسرة الثقافية الالكترونية – السفير
أهذه مجزرة أم «حرب إبادة»؟
ليس السؤال عبثياً. ما يجري في قطاع غزّة يثير انفعالات تتجاوز القلق والرعب والتعاطف، أو هكذا يُفترض بها أن تكون. الكلمات لم تعد قادرة على التعبير. الصُوَر الفوتوغرافية تنقل الجريمة، لكنها تبدو غالباً كأنها عاجزة عن التأثير، خصوصاً في غرب يتمادى في صمته «الخبيث»، وفي عالم عربي غارق في دماء أبنائه، أو بخراب تولّده أنظمة القمع والاستبداد. الريبورتاجات التلفزيونية تؤرّخ اللحظة، لكن غالبيتها الساحقة تلتزم «خطوطاً» سياسية محدّدة سلفاً من قبل مالكيها التابعين إما إلى أنظمة حاكمة، أو إلى مموّلين لديهم مصالح معينة، أو إلى نفوذ شركات إعلانية.
سينمائيون غربيون لديهم مواقف يقولونها أحياناً، وآخرون يُفضّلون إبقاءها طيّ الكتمان. بعض هؤلاء «قاطع» الدورة الأخيرة (10 ـ 20 تموز 2014) لـ«مهرجان القدس السينمائي الدولي»، الذي شهد إعلان بيان سينمائي «إسرائيلي» ندّد بالمجزرة، واحترم شهداء القطاع المنكوب، وذكر أسماء الأطفال الذين قتلهم جنود إسرائيليون («السفير»، 19 تموز 2014). في 25 تموز 2014، وزّع الممثل الإسبانيّ خافيير بارديم رسالة كتبها حول «المجازر في غزّة». سينمائيون اسبان لم يبقوا صامتين أمام هول ما يحدث، وقد وصفه بارديم في رسالته تلك بـ«حرب إبادة». بدرو ألمودوفار وبينيلوب كروز انضمّا إلى بارديم وبعض الفنانين الاسبان، أمثال المخرِجَين مونتِكْسو أرمنداريز وبينيتو زامبرانو، والممثلين لولا هيريرا وإدواردو نورييغا وروزا ماريا ساردا، بالإضافة إلى الموسيقيِّيَن آمارال وناتشو كامبيلّو. دان هؤلاء القصف الإسرائيلي الجوي والبري والبحري للقطاع. دانوا إطلاق الصواريخ على المدنيين الفلسطينيين: «يعيش قطاع غزّة هذه الأيام رعباً حقيقياً، متمثّلاً بالحصار والاعتداء. منازل الفلسطينيين دُمِّرت. تمّ «قطع» المياه والكهرباء عنهم، ومُنعوا من الحركة الحرّة في اتجاه المستشفيات والمدارس والحقول». أضاف البيان أنه إزاء هذا كلّه «لم يفعل المجتمع الدولي شيئاً».
لا جديد يُذكر في بيان كهذا. لكن الموقف بحدّ ذاته ضروري ومهم. سينمائيون لديهم مكانة مهمّة في صناعة السينما يقولون للغرب ما يعيشه فلسطينيو قطاع غزّة. يُندّدون بجولات العنف في الشرق الأوسط أيضاً، ويستخدمون تعبير «احتلال أراضي الفلسطينيين من قِبَل إسرائيل». لا يتردّدون في القول إن إسرائيل تُمعِن في احتلال هذه الأراضي «بدلاً من العودة إلى ما وراء حدود العام 1967». من جهته، يؤكّد خافيير بارديم في رسالته، أنه إزاء هول ما يجري في قطاع غزّة «لا مكان أبداً للحياد». يقول: «هذه حرب احتلال وإبادة ضد شعب أعزل محاصر في مكان صغير من دون ماء ومستشفيات وسيارات إسعاف. الأطفال هدف هذه الحرب، هم الأبرياء والذين يُخَمِّن صانعو الحرب بأنهم إرهابيون». يُضيف أن حالة المجتمع الدولي الغربي إزاء ما يجري في القطاع «مُشينة»، لأنه «يسمح بارتكاب حرب إبادة كهذه». يُكمل بارديم كلامه بالقول إن التحالفات الجيوسياسية والقناع «المُخادع والخبيث» للأعمال (تجارة الأسلحة)، «تُفسِّر (وحدها) الموقع المخزي للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبيّ واسبانيا». لم يتردّد عن القول بأن لديه أصدقاء يهودا: «أن تكون يهودياً لا يعني أن تكون صهيونياً ولا أن توافق على هذه المجزرة، وأن تكون عبرياً لا يعني أن تكون صهيونياً، وأن تكون فلسطينياً لا يعني أن تكون إرهابياً من (حركة) «حماس»، كما أنه من العبث والحماقة القول إن الألماني متحالفٌ مع النازية». ينقل عن صديق يهودي أميركي قوله له بأنه لا يُمكن تبرير «مشروعية الدفاع عن النفس» عندما يتم اغتيال أطفال: «نعم، أنا أوروبيّ، وأشعر بالعار من مجتمع يدّعي أنه يمثّلني بصمته هذا، من دون أن يشعر بأي خزي».
رسالة تفضح جنون أنظمة غربية، وتقول أشياء بسيطة لشدّة واقعيتها، وحقيقية لشدّة براعتها بمقاربة المسألة بعين واعية، وبمعرفة واضحة.