«خالد سعود الزيد» موسوعة في التنوير والمعرفة وشاعر متفرد

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

منى الشمري

 

في مثل هذا الشهر رحل الأديب والشاعر الكويتي خالد سعود الزيد، وترك خلفه إرثا أدبيا يوثق مسيرته الثقافية الزاخرة بالمعرفة النوعية، والزيد الذي يصادف هذه الأيام ذكرى رحيله الـ14، وما يمثله من حالة إبداعية ستذكرها الأجيال عاما بعد عام، كان طابعها التنوير والمشاركة في ترسيخ العلم في مجتمعه ورفع قيمة التعليم ومحاربة الجهل.

فقد كان له الدور الأمثل في البحث المعرفي الفكري من التراجم والتراث الشعبي والتوثيق التاريخي، وهو رجل يشكل موسوعة فكرية بذاته، ناهيك عن دوره الإبداعي كشاعر مبدع متفرد بالصورة الشعرية، حيث ارتبط اسم الأديب والشاعر خالد سعود الزيد 1937 – 2001 كحالة ابداعية أدبية وشعرية بالحركة الأدبية والثقافية في الكويت، التي بدأت تتبلور في فترة حكم الشيخ مبارك الصباح لينتج عنها تأسيس المدرسة المباركية، أول مدرسة نظامية والجمعية الخيرية التي كان لها دور علمي وثقافي كبير.

وتواصلت المسيرة في عهد الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح، حيث تم افتتاح المدرسة الأحمدية والمكتبة الأهلية والنادي الأدبي، ويعود الفضل في ذلك إلى الأدباء والمحسنين الكويتيين الذين بدأوا عهد النهضة الأدبية في الكويت. ونشطت الحركة الأدبية والثقافية الكويتية في فترة ما قبل الاستقلال، وبعد تأسيس المكتبة الأهلية والنادي الأدبي، من خلال جهود بعض الشباب الكويتي الذين كانوا على اتصال دائم بالمجالات الأدبية في الوطن العربي آنذاك.

ومن أبرز الشخصيات التي ساهمت في نشاط الحركة الأدبية خالد محمد الفرج وحجي بن قاسم وسليمان العدساني ويوسف بن عيسى القناعي وعبدالعزيز الرشيد وعيسى القطامي، حسبما أورده كتاب «الحركة الأدبية والفكرية في الكويت». وانقسمت الحركة الأدبية في الكويت حينها تقسيما تقليديا، يبدأ ويتوقف عند أحداث سياسية محلية وعالمية كبرى، وكان من ثلاث مراحل تطور فيها الأدب.

وتعتبر المرحلة الأولى للحركة الأدبية أطول المراحل الثلاث، وبدأت مع تأسيس الإمارة وانتهت بإعلان الحرب العالمية الأولى، وكانت مرحلة جمود وركود للأدب والفكر بسبب انتشار الأمية وعدم الاستقرار. أما المرحلة الثانية فقد عرفت الندوات في النوادي الأدبية وانتشار المكتبات العامة والخاصة والنوادي المهنية، كما بدأ العرب يفدون إلى الكويت ويخالطون أدباءها. وتميزت المرحلة الثالثة بانتشار دور العلم على مستوياتها وأنواعها، وكذلك انتشار الصحف العربية والمحلية بين أبناء الكويت كما ذكر في كتاب الحركة الأدبية والفكرية في الكويت لمحمد حسن عبدالله. وكان الأدب في تلك المراحل التي سبقت ظهور النفط تقليديا تحكمه الأفكار الاجتماعية والدينية المتوارثة، وكانت هموم الأدباء والمفكرين محدودة بعالمهم الصغير في الكويت، إلى أن بدأ يتطور الأدب ويتجه إلى الحداثة بعد ظهور النفط، إثر توسع الدولة في إنشاء المدارس وابتعاث الشباب إلى مختلف الدول في بعثات علمية، فضلا عن تعدد الصحف التي دعمتها الدولة ماديا ومعنويا. وتعد مجلة «البعثة» إحدى ثمار هذا التفاعل، وصدرت في خمسينيات القرن الماضي عبر «بيت الكويت» في مصر، وأضاءت جانبا مهما من تاريخ الكويت والعالم العربي. وبالعودة إلى الأديب والشاعر خالد سعود الزيد المولود في عام 1937، فقد بدأ بتلقي تعليمه في المدرسة القبلية عام 1942، انتقل بعدها إلى مدرسة المباركية الثانوية عام 1951، وشهدت تلك الفترة بدايات موهبته الشعرية، حيث ترك الدراسة للعمل عام 1957 وظل يعمل حتى أحيل إلى التقاعد عام 1986. وكانت رحلة الشاعر والأديب الزيد الأدبية والشعرية حافلة بالعطاء في مختلف مجالات الثقافة والأدب والشعر، وهو صاحب جهود واسعة في التاريخ والتراجم والبحث، وله إسهامات كثيرة في التأليف وصلت إلى 23 مؤلفا، بالإضافة إلى مشاركاته الواسعة في المهرجانات الشعرية والمنتديات الأدبية والثقافية، إذ خسرت الساحة الثقافية برحيله الكثير ولكن أعماله بقيت خالدة ينهل منها الذائقة.

وتعد مؤلفات ومشاركات الزيد الثقافية علامة مميزة في تاريخ الحركة الثقافية محليا وعربيا، إذ كانت له الريادة في تأليف أول كتاب يضم تراجم الأدباء والشعراء في الكويت، بعنوان «أدباء الكويت في قرنين»، ويعتبر هذا الكتاب، الذي صدر عام 1967 من أهم الكتب التي ألفها الزيد وأعيدت طباعته أربع مرات، وصدر الجزء الثاني منه عام 1982 ومن مؤلفاته أيضا «فهرس المخطوطات العربية الأصلية في مكتبة خالد سعود الزيد» الصادر عام 1990 بالاشتراك مع عباس الحداد. وكان أيضا أول من جمع الأمثال العامية في الكويت وأصدرها في كتاب «من الأمثال العامية 1961» كما كان الزيد رائدا في التدوين والتوثيق لنصوص الشعر الكويتي التي كانت عرضة للضياع. ولم يتوقف عند هذا الجهد التأسيسي، بل جمع كل ما من شأنه التأكيد على وجود أدب وأدباء في الكويت، وجمع القصص اليتيمة التي سطرها أدباء كويتيون في كتابه «قصص يتيمة في المجلات الكويتية». وهو أول من أخرج مادة الكويت من السفر الكبير «دليل الخليج» لمؤلفه الإنكليزي لوريمر، إذ أحس بأهمية تلك المادة التاريخية والجغرافية عن الكويت، فعكف على إخراج المادة الخاصة بدولة الكويت، والتعليق عليها وضبطها وتصحيح ما ورد في الكتاب من انحراف، حتى يتمكن القارئ من الوصول إلى صورة حقيقية عن دولة الكويت من خلال أحد الرحالة الإنكليز.

وقد صدر كتابه عام 1982 في جزأين الأول عنوانه «الكويت في دليل الخليج – السفر التاريخي» والثاني عنوانه «الكويت في دليل الخليج – السفر الجغرافي». كما كان الزيد أول من وضع كتابا مستقلا عن الأديب الشاعر خالد الفرج «1898 – 1954» وكذلك كتابا عن شيخ القصاصين في الكويت الأديب فهد الدويري، ترجم فيه لسيرة حياته ومسيرته الأدبية وجمع فيه كل ما سطره الدويري من قصص. وصدر أول دواوين الأديب والشاعر الزيد الشعرية عام 1970 باسم «صلوات في معبد مهجور» الذي كان مليئا بالحب ويصور عظمة الإنسان المسلم، فكان أحد فرسان الساحة الأدبية في وقت كانت تفتقر فيه إلى من يملؤها. ومن دواوينه الشعرية أيضا ديوان «كلمات من ألواح» عام 1985 وديوان «بين واديك والقرى» الذي صدر عام 1992. وكان الزيد أول من أقام معرضا للمخطوطات والمطبوعات العربية والكويتية عام 1990، احتوى المعرض على أكثر من 300 مخطوط عربي وأصدر فهرسين عن محتويات المعرض، وما يضم من وثائق نادرة ثم قام بإهدائه إلى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح ليكون نواة لمكتبة وطنية في الكويت، وقد نهب هذا المعرض كاملا أثناء الغزو العراقي للكويت. وساهم الزيد بجهود ثقافية وشعرية وفكرية مهمة، وثقت ممارسات جنود الاحتلال آنذاك إلى جانب مساهماته في مقاومة الغزو العراقي. ويعد الزيد أول أديب كويتي يحصل على جائزة الكويت في الآداب لجهوده القيمة في التأليف والتأريخ للأدب في الكويت وحصل كذلك على جائزة معرض الكويت الثامن للكتاب العربي عن كتابه «أدباء الكويت في قرنين – الجزء الثالث». كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب والفنون من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1990، وبعدها حصل على جائزة الكويت التقديرية عام 1999.

وتقلد الأديب الزيد العديد من المناصب منها سكرتير تحرير ورئيس تحرير مجلة «البيان» التي تأسست عام 1966 وتصدر عن رابطة الادباء الكويتية التي شغل أيضا منصب امينها العام،

وتولى منصب رئيس لجنة نصوص الأغاني في وزارة الإعلام منذ عام 1977 وحتى عام 1982، وأصبح رئيسا للجنة تشجيع المؤلفات في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1991.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى