خبراء يبحثون أثر اللغة العربية على الأدب التركي

الجسرة الثقافية الالكترونية
محمود الحكيم
أقيمت أمس على هامش فعاليات معرض الكتاب ندوة عن الأدب التركي القديم والمعاصر وحاضر فيها كل من د. دريا أورس رئيس مؤسسة أتاتورك في الثقافة واللغو والتاريخ، ود. توران قره شاه رئيس مؤسسة أتاتورك للثقافة، وحضر الندوة عدد من المثقفين والمهتمين بالأدب التركي.
وبدأ د. دريا أورس حديثه حول الأدب التركي الكلاسيكي مستعرضًا تاريخه وجذوره، وذكر أن الأمة التركية بعدما تشرّفت بالإسلام تأثرت اللغة التركية تأثرًا كبيرًا بالأدب العربي والفارسي، وكان الاهتمام باللغة العربية أكبر من اللغة التركية حيث فرضت العربية نفسها وتمتعت بامتيازات كبيرة في تلك المرحلة، وقد كان للغة العربية تأثيرها البارز على الأدب التركي كما كان للفارسية هي الأخرى تأثير لا ينكر.
وأضاف دريا أورس أن الأتراك قد مزجوا في هذه الحقبة التاريخية بين اللغات الثلاث في الكلمات والمصطلحات والبلاغة والبيان وحتى في الشعر والنثر، وكانت المصطلحات العربية تستخدم في الشعر والنثر مثل الغزل والرباعيات والمثنوي وغيرها، وظل هذا الأمر حتى العصر الحديث حيث تغيّرت بعض المصطلحات وبقيت أخرى على حالها.
وأوضح دريا أورس أن هناك جماعة من الأتراك في هذه المرحلة كان إنتاجهم باللغة العربية، حيث كانت اللغة العربية لغة العلوم واللغة الفارسية لغة الفن والثقافة والتصوّف والحكمة. مشيرًا إلى أن احتكاك الأتراك مع الفرس أدى للتأثر الكبير بالفارسية. حيث إن الاحتكاك بالغزنويين والسلاجقة وحماية السلاطين الأتراك لها جعلت من اللغة الفارسية وزنها في اللغة التركية.
وقال دريا أورس: إنه منذ ظهور مولانا جلال الدين الرومي بدأ الاهتمام يتجه للغة التركية الأناضولية، وكانت أغلب النصوص في تلك الفترة نصوصًا دينية، فرأينا المثنويات التعليمية والنصوص التي تستهدف التعليم والتعلم والأدب في تلك الفترة ، كانت وسيلة في هذه الحقبة تخلو من أوزان العروض والقافية والأشعار ولم تكن اللغة فصيحة، وظهرت بعض منتجات الترجمة من العربية والفارسية، وقل استخدام المصطلحات العربية والفارسية في تلك المرحلة. وتابع دريا أورس: ثم ظهرت منتوجات لكثير من الأدباء والشعراء مثل السيد نسيمي وعلوان جلبي وبير محمود والخواجة مسعود، نثرية وشعرية باللغة التركية الأناضولية، وبدأت اللغة تزداد ثراء وغنى وإن لم تكن القواعد والأصول مركزة في هذه الفترة.
وذكر دريا أورس أن القرن الخامس عشر شهد اهتمامًا من السلاطين العثمانيين مراد الثاني ومحمد الفاتح وبايزيد باللغة التركية وبالشعر وكان منهم شعراء ويقرّبون الشعراء منهم، وتطور على أيديهم فن الكتابة والتجليد وأصبح الفن مزدهرًا والشعر والأدب، وأصبح الشعر يستخدم العروض والأوزان، وأصبحت اللغة التركية هي لغة الدولة الرسمية بداية من مراد الأول. وأصبحت العربية والفارسية تقتصران على طبقة المثقفين. وفي القرن 16 وصلت الدولة العثمانية لأوجهها وأصبحت اللغة التركية أصيلة بحتة وبدأ الشعراء ينافسون الشعراء العرب.
العصر الحديث
ومن جانبه تناول الدكتور توران قرة تاش، رئيس مركز أتاتورك للثقافة واقع الأدب التركي في العصر الحديث منذ القرن الثامن عشر وحتى الوقت الحالي. مشيرًا إلى تغليب اتجاهين رئيسيين هما: “الشعر الشعبي” و “الشعر الديواني”، ولكل منهما خصائصه وتقاليده، وأضاف: عندما نقول “الشعر الشعبي”، فإنما نعني ذلك الاتجاه الذي استخدم شعراؤه اللغة التركية التي يتحدّث بها الشعب، داخل الإمبراطورية العثمانية، وعكست حياة الناس والنظرة إلى الطبيعة والعالم، وردود الفعل على ظروف المجتمع، وحملت نقدًا إلى المسؤولين وسلطة الدولة، بل تناولت الانتفاضات الشعبية. أما بالنسبة إلى “الشعر الديواني”، فكان الشعر الذي نظر إلى العالم والحياة من عاصمة السلطنة، وكان يكتب ويُقرأ من جانب النخبة، واستخدم اللغة العثمانية، التي تشكّلت من خليط من التركية ولغات الثقافة المعروفة داخل الإمبراطورية العثمانية وهي العربية والفارسية.
وتابع: مع إطلالة القرن التاسع عشر، وصل الشعر الشعبي إلى وضع لم يعد يستطيع الاستمرار فيه بقوة خصائصه القديمة الأساسية، أما الشعر الديواني فقد ترك مكانه للشعر، الذي استمرت بكتابته وقراءته النخبة، لكن الذي بدأ مع انتشار الاتجاهات التغريبية في الإمبراطورية، في نقد السلطة، والدعوة لتحسين الظروف، والذي أراد كذلك، وبتأثير الأدب الغربي، القيام بدور فاعل في السلطة.
وقال: مع بداية القرن العشرين، دخل الشعر، عصرًا جديدًا كان أساسه التحوّلات التي كانت تشهدها السلطنة. وعرف الشعر علمين بارزين كان لهما أكبر الأثر، الأول هو يحيى كمال، والذي سعى إلى إحياء قيم “الشعر الديواني” الذي تعرّض للانكسار مع الهزائم التي تعرّضت لها السلطنة العثمانية. أما الثاني فهو توفيق فكرت الذي مثّل الجانب العلمي للتغريب، وكان مُظهراً للطريق نحو مجتمع إنساني يرتكز على الحقائق العلمية.
المصدر: الراية