‘خرائط التيه’.. بين قارتين

الجسرة الثقافية الالكترونية
د.علياء الداية
“إذا تركت يد أمك، فسيأتي الغول ويأخذك”. هذا ما كان يجب أن يقال للطفل الصغير “مشاري”، فما حصل في هذه الرواية هو أن “مشاري” الذي ترك يد أمه وقع فريسة الغيلان البشرية، التي انتهزت الفرصة واقتادته بعيداً، بعيداً جداً.
منذ بداية الرواية تطالعنا كلمة “التيه” بوضوح من خلال الافتتاحية التي اختارتها بثينة العيسى، حيث بيت أبي تمّام:
“تاهت على صورة الأشياء صورتُه / حتى إذا كملت تاهت على التيهِ”.
لقد حافظت الروائية الكويتية بثينة العيسى على كلاسيكيات السرد في الرواية، من التوالي الزمني للأحداث، ومركزية الشخصيات، ومنطقية الاستنتاجات. ولكنها طوّرت موضوعها الروائي، فاحتفظت بما ورد في أعمال روائية سابقة من سمات معاناة الفقد كما في “عائشة تنزل إلى العالم السفلي”، وبطولة الأطفال كما في “تحت أقدام الأمهات”، وحيرة المرأة تجاه مجتمعها كما في “عروس المطر” و”سعار” و”كبرت ونسيت أن أنسى”، واختلافات الرأي والفكر كما في “ارتطام لم يسمع له دوي”، ومزجت هذه السمات تاركةً للموضوع الأساسي أن يتّخذ أبعاده بأقصى ما يمكن. امتداد المكان ليغطي أجزاء واسعة من قارتين، واحتشاد الزمن، فكل دقيقة منه عبارة عن معاناة قائمة وكل ساعة هي مخزون من الانفعالات “الزمن ليس حليفاً لك. الزمن هو العدوّ. كيف يمكنك أن توقف تدفّق هذا النهر الأبدي الذي يسمونه الزمن؟ إنه يجري بعيداً، بعيداً صوب الاحتمالات المؤسفة.” أما الشخصيات فهي مختبر لتفاعل مع أزمات نفسية وفكرية تشرع أسئلة الوجود. تحافظ بثينة على ملمح من أسلوبها في تقسيم الرواية إلى فصول كثيرة، تحمل عناوين مستقلة، ويحمل العديد من صفحاتها تحديداً لتاريخ اليوم والساعة التي يجري فيها الحدث، إمعاناً في إشراك المتلقي ليعيش مع الشخصية دقائق التفاصيل وقتياً.
• الخير والشرّ :
تقدّم لنا الرواية الأحداث منذ البداية بتقنية الراوي العليم، وهذا ما يضع تحدياً في الوقت نفسه أمام الرواية في إيجاد بيئة تشويق للمتلقي، فهو لا يتابع ما يجري فقط، بل ينظر إليه ويفكّر معه “كيف” يجري، إنه عملياً متورّط مع الشخصيات، ومن الصعوبة بمكان أن يقف موقف القاضي، مع أنه يعلم مسبقاً ما حصل، وليس أمامه سوى مشاهدة مواقف الشخصيات وانفعالها ودهشتها.
تظهر جدلية الخير والشرّ في أكثر من محور في هذه الرواية “خرائط التيه”، المحور الأول هو سميّة وزوجها فيصل، ففي البداية يبدو وكأنّ فيصل هو الجانب الخيّر، الذي يسعى للسؤال والبحث عن ابنه الذي اختفى في الحرم المكي، أثناء موسم الحج، في حين تكون سميّة قليلة الحيلة، منصرفة إلى البكاء والحزن.
ولكن مع تقادم الساعات فالأيام، يقوم الحوار بدور مهم في محاولة قلب الأدوار، فتبدو سميّة في مظهر أقرب إلى الملائكي، وهي تكمل مناسك الحجّ، وتشعر بالعطف الشديد تجاه كل الأطفال الصغار في المكان وهي تبحث عن ولدها، وتلوم نفسها، وتتدرّج شيئاً فشيئاً إلى اعتبار ضياع ابنها رسالة من اللـه، وسرّاَ خفياً يقودها إلى مزيد من التأمل والروحانيات والدوران في المكان والبحث عن الخير المطلق في الاستسلام.
أما زوجها فيصل، فهو يبدو على العكس، أقرب إلى مظهر متمرّد، ولأنه يبتعد عن المكان كله بحثاً عن أي وسيلة مساعدة لإيجاد ابنه، ولأنه يلوم زوجته على تقصيرها حين كان الطفل معها أثناء الطواف، فهو ينتقل إلى الجانب الآخر الشرير المقابل للخيّر، “نهض فيصل من مكانه وهمّ يغادر. نظر إلى ساعة يده؛ تسع ساعات على اختفائه. أحس باحتشاد الذعر في صدره. ظلت كلمات الرجل ترتجع في داخله؛ يمكن أن يحدث له أيّ شيء! ترى، ما الذي حدث له خلال تسع ساعات؟ حث خطوه للمغادرة، يريد أن يخرج نافراً إلى شعاب مكة، أن يمشّطها شبراً بعد شبر. ولأوّل مرة وجد نفسه يسأل؛ هل أخطأنا يوم أحضرناه معنا؟”
المحور الثاني: هو “روينا” بوصفها نموذجاً من أفراد العصابة التي اختطفت “مشاري” وغيره من الأطفال.
إن الرواية تُظهر “روينا” بمظهر القوي الشرير حين تراءى لها أن زعيم العصابة موافق على اختطاف طفل غير أسود البشرة، وأنه سيكون نافعاً ليكون مادة للتفاوض مقابل فدية، لا من أجل الاتجار به وبأعضائه كما هي الحال مع باقي الأطفال. قامت “روينا” باختطاف “مشاري” معتمدة على قوة كلمتها وخدمتها الطويلة في العصابة. ولكن الرواية سرعان ما تُظهر “روينا” على الطرف الآخر، بمظهر الإنسانة الخيّرة التي ترغب في إنقاذ “مشاري” بعد أن اكتشفت أنه بات عبئاً ومسؤولية غير مرغوب بها، ستعيق العصابة أكثر مما تنفعها. إن الرواية قد تُوهم المتلقي بأن روينا شخص يرغب في الخير، ولكن الواقع هو أنها مجرد شخص مستسلم لضعفه، لقد أرادت أن تحتفظ بحق تقرير مصير الطفل، وأن تستهلك آخر ما بقي لديها من سلطة أو قوة بعد أن فقدت حظوتها لدى زعيم العصابة؛ “لماذا لم يأمر بترك الطفل في مكة إذا لم يكن يريده؟ أحست بالدماء تغلي في عروقها وهي تتبيّن حقيقة الأمر؛ لقد خانها جرجس. إنه يريد الطفل، والملايين التي سيجلبها معه، وهو مستعدٌ تماماً لدفع الثمن، الثمن الذي هو روينا نفسها، هي التي أتته بالطفل، والملايين. وفي الوقت الذي بدأ فيه الألم يندحّ من جميع جسدها، صار الأمر أوضح في رأسها أيضاً. لقد استخدمها. كانت الطُّعم والفريسة معاً.”
المحور الثالث: هو فِرق البحث والإنقاذ، مقابل العصابة وكل ما سيرتبط بها في قارتي آسيا وأفريقيا، الخير مقابل الشرّ، والحياة مقابل الموت. وتبدو هذه المفارقة أكثر وضوحاً في قارة آسيا منها في أفريقيا، ففرق البحث المحلية تجوب عسير وما حولها على بعد ساعات من مكة بحثاً عن الطفل، مقابل العصابة التي تمعن في الاختباء من العالم بأسره، في شروطها الخاصة وأمكنتها الخافية بعيداً عن القوانين: “سارت إلى البيت؛ بيت حجري من طابقين، يشبه هرماً ناقصاً، بجدرانه التي تضيق كلما علت في السماء، ناتئاً في فراغ الوادي، يلفُّه الليل. كان للبيت بابٌ مطلي بالقطران، نوافذ صغيرة مرتفعة، وجدران داخلية مزدانة بنقوش ملوّنة؛ خضراء وحمراء وسوداء. كانت الدّرجات مطلية بالأخضر، وهي تتواتر إلى أعلى باتجاه غرفة الأطفال.” أما في أفريقيا، قرب سيناء على وجه التحديد، فإن المعادلة هي نفسها، فرق البحث مقابل بقايا العصابة أو العصابات، ولكن المكونات مختلفة، فيصل وأخوه سعود يقتربان أكثر فأكثر من لب الموضوع، ومن مرتكزات العصابة، وهما يلمسان على أرض الواقع آثار الموت وتُطرح أمامهما مع رجال الشرطة قضايا قاسية كصخور المكان ورماله. ما يشعران به من إهمال وتقصير في أداء مهمة البحث يبعدها عن الخير المطلق، وكذلك فإن وجود شخصية من مثل “هويشل” التائب تُخرج العصابات عن مفهوم الشر المطلق أيضاً، هناك استثناءات واختراقات لكلّ منهما، الموضوع هنا أكثر وضوحاً منه هناك، على الضفة الأخرى للبحر الأحمر.
ثمة محور رابع، هو شخصية “نظام شجاع الدين”، الرجل الذي لا يمكن لمتلقي الرواية التعاطف معه، أو تصنيفه ضمن مظاهر الخير. ففي بيته يتعرض الطفل “مشاري” إلى الانتهاكات الجسدية، ويبدو الرجل في حالة فصام قيمية وأخلاقية، فهو في وادٍ وسلوكه في وادٍ آخر. وكأنّ كل ما يمارسه ينطوي على سلوك يتسم بالتكرار والاعتياد فحسب، مشاهدة التلفاز، العبادة، زراعة الحقل، وحتى هذا الأخير تماهى مع حالة الطفل “مشاري” في حدث أقرب إلى التخييل العجائبي ولكنه ممكن الحدوث، كان الطفل يذبل مريضاً يكاد يموت من الإهمال والعنف، وكذلك الحقل، أصيب بآفة العفن الأبيض وانهارت المحاصيل آخذة بالذبول. “خرج إلى الحقل رائق المزاج. كان للهواء طراوة وإحساس ملحي يحبه، شمس الجنوب ترسل دفئها على الجبال البعيدة. لقد مرّ أسبوعان على زراعة الدخن، واليوم هو موعد التسميد الثاني. أخرج كيس اليوريا من غرفة المؤن. أدخل يده في الكيس وقبض على المادة الحبيبية البيضاء. همّ بنثرها على سطح التربة عندما لمح على سطح وريقات الدّخن بقعاً زغبية.
تحسّسها بأصابعه غير مصدّق؛ لا يمكن! عفن؟! ركع بين سيقان المحاصيل يتفحّصها بعينين مذعورتين، قفز راكضاً بين خطوط الدخن والذرة، تفحّص أحواض الخضراوات في زاوية الحقل؛ البصل، الخيار، الخس، البطاطا… كانت مريضة كلّها، رازحة تحت وطأة البقع البيضاء. لقد مات حقله.”
• الرحلة:
يحمل عنوان الرواية “خرائط التيه” إشارة واضحة ومباشرة إلى مفهوم الرحلة الواسعة التي تحتاج إلى خرائط، ويوحي بالأحداث المتضمنة بما فيها من تيه وضياع. سيكتشف المتلقي أن هذا التيه معنوي أولاً ومادي ثانياً. لقد بدأ التيه منذ السطور الأولى، منذ أن تاه “مشاري” الطفل ذو السنوات السبع، ضائعاً من يد أمه نحو المجهول، بين حشود الحجاح. بينما لم تملك أمه سوى أن تصيح به “امش، امش…” كان واقفاً على قدميه يمشي ويمشي حتى لا يتهاوى بين الكبار، ولكن فُتح له باب قاده إلى رحلة تهاوى فيها فعلاً، في السيارة، وفي مقرّ العصابة، وفي بيت الرجل الغريب، وفي الكهف.
من هذا المنطلق، صاغت بثينة العيسى رحلة روايتها بأسلوب يقترب من البوليسي في تشويقه، وكونه حافلاً بالمفاجآت، يحمل الجديد من دون أن يكشف كل شيء، وفي الوقت نفسه تقود فنية اللغة العمل نحو التوازن بين الوصف والحوار.
تتوزع الرحلة بين قارتين، آسيا وأفريقيا، ففي الأولى قارة آسيا، ثمة أنواع من الارتحال، السفر من الكويت إلى مكة للحجّ، في مكة يكتشف فيصل وسمية كم أن فكرة اصطحاب طفلهما كانت مسؤولية جسيمة، يدفعان الآن ثمن أحد احتمالاتها: الضياع، الذي يعقبه القلق والخوف والأرق ثم الرعب. إن النفس الإنسانية تتكشّف على نحو متدرج في مخاوفها وتراوحها بين الخيبة والرجاء وبين اليأس والأمل، وتتحول هذه المخاوف لدى سمية إلى الاستسلام والبحث عن اللـه في كل ما تجده أمامها، وتقترب من مفاهيم التصوف حين تتوسع نفسها وتلغي إرادتها المنفردة، في سبيل هدف بعيد جداً، حين يبدو لها كل من حولها من الأطفال شبيهين بطفلها “مشاري”، وحين يبدو لها كل حاج أو شيخ أو موظف غريباً تماماً، ما دام لا يمت بصلة إلى هدفها في التقرب من اللـه وتلقّي أي رسالة روحية تعينها على التفكير بابنها.
وفي مكّة أيضاً ينفعل فيصل على نحو مختلف مع ضياع ابنه، هذه الرحلة كانت بداية لاعتلال صحته، الثمن الذي يدفعه مقابل فضوله وشجاعته في مواجهة أسوأ الاحتمالات، إنه بطل من نوع ما، ولكن البطولة لا تنسجم مع تسلل الضعف الجسدي إليه، لذلك كان لا بد من انضمام شخصين آخرين إلى الرحلة، وهما أخوه “سعود” الذي جاء من الكويت، و”مازن” صديق أخيه الذي جاء من مدينة “جدة”. وفيما بعد ستكون الرحلة من نصيب بعض الأقرباء والمعارف الذين أخذوا في البحث عن “مشاري”، وكذلك والدته “سمية” التي ستبقى في أبها لفترة من الوقت.
النصيب الأكبر من هذه الرحلة كان للطفل “مشاري”، لم تكن رحلة سياحة، أو نزهة برفقة والديه، بل تحولت إلى سكون وجمود في المكان، لقد وقع “مشاري” في مستنقع، والرواية تصوّر بدقة متناهية ما كابده من عذاب وإرهاق ومرض ومشارفة على الموت، وكان الأشد إيلاماً ووجعاً هو تمكّن الرعب من “مشاري” وهو يخوض خبرات لا عهد له بها، تجرّه بعيداً عن عالم الطفولة، العالم الوحيد الذي يعرفه. وصفحات الرواية تقرّب هذا الإحساس إلى المتلقي بكونه رابطاً بين “مشاري” من جهة، وعمّه “سعود” من جهة أخرى، فمشاري في مكان مظلم، ليس وحيداً دائماً، ولكنه محاط بما يجعله فريسة ومجرد مادة للصيد.
أما عمّه فيتصفّح صوره على هاتفه الذكي، ويستذكر مشاهدتهما لأفلام السينما ونزهاتهما بالسيارة وكيف كانت أمه توصيه به وتحرص على سلامته. كان “مشاري” يحب مشاهدة فيلم “الرجل الوطواط” والوطاويط الصغيرة والسيارات، أما الآن، فقد صارت السيارة كابوساً حين وُضع “مشاري” في مخزنها في الظلام، وصارت الوطاويط كائنات حقيقية تهدده داخل الكهف بعد أن ينقضي الغروب ويزول نور النهار، فيا لها من رحلة، ويا له من شاطئ بحر ومزرعة وبيت مخيف، كلها تشبه السيارة منطلق الرحلة، والكهف الذي كان قريباً من نهايتها. كان مشاري يهرب من خطر ليقع في خطر آخر في عالم يغتال الطفولة، كان ذاك الرجل قد “تراجع إلى الخلف حبواً، يخاف إن رفع رأسه أن يصطدم بوطواطٍ لعين. رفع الصبي وجهه ينظر إلى الوطاويط ويصرخ مذعوراً. غادر الكهف، وخرجت بعض الوطاويط معه. أخذ يعدو خبباً، نزولاً إلى الوادي، حيث سيّارته. أطلق قدميه للركض، وخيّل إليه مع كلّ خطوة تأخذه أبعد أن الوطاويط تتبعه. عندما ابتعد كفاية ورأى أنه بات بعيداً، بين شجيرات العرعر، يلهث. تناهى إليه صراخ الصغير.”
أما الرحلة في جزئها الثاني، في قارة أفريقيا، حيث سافر فيصل وأخوه سعود بحثاً عن آثار المهربين الذين قيل لهما إنهم عبروا البحر الأحمر إلى سيناء، فهي تصوّر الغريق الذي يتعلّق بقشة؛ كان لدى “فيصل” بقية من أمل، ولكنه صار يرجو مجرد العثور على بقية من ابنه. إن تفكير المتلقي هنا قد يبقى معلّقاً بما يجري هناك، في قارة آسيا، حيث سميّة تنتظر بأمل غريب أن تستيقظ “روينا” إحدى أفراد العصابة، في المستشفى، وتتعافى من إصاباتها البليغة.
ولكن المتلقي نفسه يبقى مشدوداً أيضاً لما يجري مع الأخوين في سيناء، وإلى أين يمكن أن يصل المدى العجيب لهذه الرحلة. وتتميز رحلة قارة آسيا بجودة الوصف وبدقّته، لإظهار قسوة المناطق الجبلية ووحشتها وأحجارها الداكنة وغموضها حتى على ساكنيها، كأنها عالم قائم بذاته وبكهوفه ودروبه القليلة وذئابه وخفافيشه، “أرسل فيصل عينيه في المكان، خضرته الكابية والسفوح التي تلفّه من كل ناحية. نظر إلى أخيه… سار في الجوار، تمسح عيناه السفوح، الأرض الترابية، شجيرات السرو وشتلات الريحان النابتة بين الصخور. رفع عينيه إلى السماء. الشمس توشك أن تغيب. رأى طائراً أسود يخطف بجناحيه. ليس غراباً، هل يمكن أن يكون وطواطاً؟ ثمّة ما ينغزه في قلبه. رمق شقيقه بطرف عينه، يجلس على ركامٍ حجري ويهمّ بإشعال سيجارة.”
ثم يأتي الوصف في سيناء والعريش وقبلها شرم الشيخ ليكمل على الشخصيات إحساس الغرابة والمزيد من العجز أمام البشر المتخفين بالعوائق الطبيعية إلى جانب فساد البشر أنفسهم. “بزغت الجبال الصخرية على اليمين، غاب البحر وجاءت الصحراء. لمح فيصل فتى يرعى عدداً من الإبل… عبروا مجموعة من المنتجعات، مروراً بمدينة طابا. ثم اختفى البحر، وجاءت الرمال. صحراء مترامية تملأ العين، رأى في أطرافها سلسلة هضاب. أشار إليها المحقق؛ هذا جبل الحلال. نظر الأخوان إلى الجبل. أردف؛ الحلال عند البدو يعني الغنم. قطّب سعود: خليج نعمة، ميناء نويبع، جبل الحلال… هل نبدو لك كالسيّاح؟!” ثمة شاطئ، ثم صحراء منبسطة، ثم كهوف من جديد، وحُفر، ومنشآت بشرية ومؤسسات تنطوي على كثير من الحيرة التي يصعب معها اتخاذ أي قرار إيجابي، بل يسهل التخاذل والانسياق وراء الغضب والشك وتهاوي القوة كما حصل مع فيصل.
لقد أتاحت الرحلة لجميع الشخصيات أن تتغير، وما بعد الرحلة، مختلف عما كان قبلها، والهدف الوحيد لديهم هو “مشاري”، جعلت الرحلة العمّ “سعود” يكتشف في نفسه القدرة على التطوع في سبيل الآخرين، ولاحقاً القدرة على تحمّل المسؤولية الفعلية برعاية طفل، أما “فيصل” و”سمية” فقد نالت منهما أحداث الرحلة، أو الرحلات، بتغيرات متوقّعة ولكنها صادمة جداً وقاسية لمن يقع تحت ضغط الخوف والرعب في فترة محدودة جداً، خلال بضعة أيام، وكذلك يشرّع الباب أمام تغيرات “مشاري”، فلم يعد أي شيء مطلقاً كما كان.
المصدر: ميدل ايست اونلاين