خطأ صحفي في مصر يعيد أعمال أورويل إلى الصدارة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*حنان عقيل
تعدّ أعمال إريك آرثر بلير، الروائي البريطاني الشهير بـ”بجورج أورويل”، والذي رحل عن عالمنا في الحادي والعشرين من يناير سنة1950، من أبرز الأعمال الروائية التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الديكتاتوري الشمولي، وهو ما ظهر بوضوح خلال رائعته الروائية الديستوبية “1984” التي كتبها في العام 1949، وظلت أعمال “أورويل” تتداول على نطاقات واسعة، وتحتل قائمات الكتب الأكثر مبيعا.
جورج أورويل، هذا المبدع البريطاني، الذي انتشرت أعماله في كافة أرجاء العالم، ترك أعمالا خالدة رغم وفاته في سن مبكرة (46 سنة)، غير أن تعبيراته عن الديكتاتورية، بقيت تُتداول بصورة مكثفة في مقالات وآراء كبار السياسيين الذين يتحدثون عن الديكتاتورية ويطالبون بالعدالة الاجتماعية.
مصادفة عجيبة
أعادت مصادفة أو مفارقة بعينها أعمال “جورج أورويل”، لتصدّر المشهد الثقافي بمصر، خلال الأيام القليلة الماضية، عقب خبر صحفي نشره أحد المواقع الألكترونية البارزة، بشكل خاطئ، كان مفاده أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على طالب بتهمة حيازة رواية “1984” لجورج أورويل، وهو ما أثار ضجة كبيرة في شتى الأوساط المصرية.
غير أن الموقع قد قام بتعديل الخبر المنشور، للتأكيد على أن الطالب المضبوط تمّ الاشتباه فيه من قوات الأمن، وأنه بتفتيشه تم ضبط “كشكول محاضرات” مدوّن به مواد عن “الخلافة الإسلامية”، فضلا عن العثور معه على هاتف محمول والرواية المذكورة، إلا أن مساحة تداول الخبر اتسعت، لتستعيد أعمال “أورويل” مجددا اهتمام القرّاء بها.
ومن أبرز أعمال أورويل (1903- 1950)، رواية مزرعة الحيوان، وهي رواية مجازية كتبها عام 1945، فضلا عن كتاب تحية لكتالونيا عام (1938)، وسنة 2008 وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية ضمن قائمة “أعظم 50 كاتبا بريطانيا منذ عام 1945”، ونجح “أورويل” في أن يضيف للقاموس السياسي معاني ومصطلحات جديدة يستخدمها حتى يومنا هذا العديد من الساسة، منها على سبيل المثال “التفكير المزدوج، والحرب الباردة، وجريمة الفكر وشرطة الفكر”.
تذكر أورويل
قام العديد من النشطاء والمثقفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ولا سيما “فيسبوك” بنشر صورهم بينما يقرؤون عملا لـ”جورج أورويل”، فيما قام آخرون بنشر تعليقات وتعبيرات للروائي البريطاني وتداولها مع بعضهم البعض، كردّ على الواقعة الأخيرة (المتعلقة بالخطإ الصحفي)، التي أتت بمردود إيجابي على الساحة الثقافية المصرية، حيث أعادت أعمال “أورويل” إلى الواجهة مرّة أخرى، سواء عبر قيام نشطاء بشراء أعماله أو تحميلها من مواقع تحميل الكتب عبر الإنترنت.
ورواية “1984” التي تعدّ من أشهر أعمال “جورج أورويل”، كتبها عام 1949 في حينها كرواية تستشرف المستقبل، وتدور أحداثها في لندن، حول موظف يدعى “وينستن سميث”، يبلغ من العمر 39 عاما، ويعمل موظفا في وزارة الحقيقة، في مجتمع من الديكتاتورية السياسية، التي تعمد إلى تزييف حقائق التاريخ، إذ تقوم وزارة الحقيقة بتغيير البيانات والمعلومات الموثقة على مدار الساعة لتتماشى مع استراتيجية وأهداف الحزب والحكومة بقيادة “الأخ الأكبر”، وهو المصطلح الذي ابتكره “أورويل” للتعبير عن الديكتاتورية.
أما رواية “مزرعة الحيوان”، وهي من أشهر أعماله أيضا، نشرت عام 1945، وتتناول إسقاطا سياسيا على الأحداث التي سبقت عهد ستالين -القائد الثاني للاتحاد السوفييتي- وخلاله، قبل الحرب العالمية الثانية، وقد مثلت الحيوانات شخوصا في الرواية، تحمل أيضا إسقاطات سياسية واضحة.
وقام العديد من الصفحات الخاصة بجهات ومؤسسات سياسية مصرية بنشر رابط تحميل الرواية عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي كردّ فعل على الخبر المغلوط الذي تمّ نشره في أحد المواقع الإلكترونية، ممّا عزز من وضع الرواية واهتمام جمهور المثقفين بها.
على امتداد سنوات حياته، عرف أورويل بالترحال والسفر، وبكتاباته الناقدة واللاذعة، التي كانت لها ردود أفعال قوية ومختلفة، فقد تطرّق آرثر كولستر لأورويل قائلا: “الأمانة الفكرية لا هوادة فيها وهي التي جعلته يبدو وكأنه ليس إنسانا في بعض الأحيان”.
بن واتنسبجراستيتد قال: “كتابة أورويل تفضح النفاق الفكري أينما وجد”. ووفقا للمؤرخ بريندون بيرس: “أورويل كان قديسا يجيد الأخلاق منذ أيامه الأولى”. وقد قال عنه مسؤوله بالـ”بي بي سي” رايموند وليامز: “إن أورويل بلا شك قد تمّت تهيئته ليكون قديسا، أو يحرق على الوتد!”.
وفي المقابل وصف رايموند وليامز أورويل في مراجعات كتبها عن اليسار الجديد: “لديّ انطباع رائع عن هذا الرجل الغارق في التجارب والذي يتحدّث عن الأشياء بطريقة مباشرة”.
في حين صرح كريستوفر نوريس، بأن “لأورويل تجربة صفوية عميقة من أجل المستقبل، كان مفترضا أن الحقيقة يجب أن تقال مباشرة كما هي، إذ لا يبدو أنه ساذج ولكن يستحق اللوم لأنه يخدع ذاته”. وقد حلت أعمال أورويل في مكانها الخاص بمناهج الأدب الدراسية في أنكلترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرب