«داعش» والأدب

الجسرة الثقافية الالكترونية

سعيد السوقايلي

سيتهافت من جديد أدباؤنا حول آخر موضة تيماتية، إذ سيلتفون حول النزعة الداعشية، مثلما سودوا وأبدعوا سابقا حول أدب المقاومة ضدا على الاستعمار الشامل الذي عرفته البلدان العربية، سيظهر حتما أدب جديد ينضاف إلى أدب المقاومة الفلسطينية، وأدب النكبة، وأدب المنفى، وأدب الهجرة، وأدب السجون… ستسيل أقلام كثيرة بالإبداع والنقد تارة، وأخرى بالدراسة والتحليل على كافة الأصعدة، سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية ونفسية…
ربما سيُنعت هذا الأدب بأدب الإرهاب، وستغرق المؤلفات الجديدة في دماء القتلى من شخوص مسروداتها، ستعم شعرا لغة الرصاص والسكاكين، والصور البليغة في قطع رؤوس الأبرياء، ولربما سيظهر معجم جديد، معجم الرعب والتخويف والقتل، لعل أبرز كلمة فيه تنضاف إلى قاموس العربية هي فعل «دعش» الكلمة ذات الوقع الفظيع، لنقول معها «دعش الرجل القوم» أي أرهبهم، أو «دعش رأس الرجل» أي قطع رأسه ببرودة دم داعشي، وما سيواليها من اشتقاقات بغيضة، بما فيها دعشنة المنطقة على غرار بلقنتها أو أفغنتها أو لبننتها.
سيعرف هذا الأدب مناصرين له، ممن اندعشوا سابقا، أو ممن كفروا بالانظمة العربية والغربية وسياساتها الأخطبوطية، ستتفنن هذه الميليشيات في تشكيل قبحيات لغوية وبلاغية جديدة بدل جماليات الكتابة المعروفة، والتي ستغيب منها تلك الأبعاد والجماليات الانسانية والطبيعية كما راكمناها منذ طفولة الأدب العربي.
مع أدب الإرهاب هذا، ستظهر حرب طائفية وأهلية، أدبية وفكرية، وسيبرز في الساحة مناضلون ينالون بأعمالهم من هذا التطرف، وستتحمس دور النشر لاستقبال هكذا أعمال تتناول تيمة الإرهاب الداعشي، وستقام ندوات وأمسيات لهذا الصدد، ستنفتح شهية الذائقة العربية أيضا، بل ستخصص لجان القراءة المنذورة لجهات سياسية لها إيديولوجيتها الدينية والطائفية جوائزها حول تيمة الإرهاب في الأدب والدراسات، لتوزع من جديد الأموال السخية، وتملأ جيوب المثقفين الحالمين بالسعة والشهرة دون اتخاذ موقف معين تجاه ما يحاك ويداس في كواليس السياسة.
لا أعرف أيضا، هل ستنبعث من جديد، حنينا أو شماتة، تيارات أدبية كانت لها السطوة أوالحظوة سابقا، تموزيون، شيوعيون، يساريون، يمينيون، أو حتى عموديون وأفقيون… لست أدري، ليشهدوا على ما آل إليه الأدب العربي راهنا.
سيفتق شاعر ما قريحته برصاص شعري وينسف الأمسية ضحكا أو بكاء أو ربما دما ونارا، بل ستظهر جحافل من الشعراء الجدد، يجدونها فرصة لتوقيع ميلادهم الشعري الأول، وسيطلق ناثر أو سارد آخر مخيلته ممعنا في نقد الواقع العربي الهش والملغوم، ويفك لسان شخصياته الورقية، وبوح أمكنته النازفة لتعرية المأساة العربية المعاصرة في ظل صمت الحكام وغض أعينهم عن بؤس شعوبهم، وأيضا في زمن الدسائس والسينما الهوليودية بالمنطقة العربية التي تحيك أمريكا سيناريوهاتها لإعادة تفصيل خريطة النظام الدولي الجديد، بما في ذلك الشرق الأوسط الجديد.
هكذا إذن، ومع ظهور داعش أو اختفائها بعد أدائها لدورها السياسي في تلفزيون الواقع هذا، نتساءل اليوم، وبكل اجترار: كيف سيكون مآل أدبنا العربي راهنا ومستقبلا، هذا الأدب الذي لم ينفك بعد من قبضة الفساد السياسي ليعبر عن تلك الأبعاد الانسانية الحقيقية الصالحة لكل زمان ومكان؟ هل سيعي أدبنا إذن، في ظل هذه الرهبنة، بوظيفته الحقيقية مثلما تعرفها الأدبيات العالمية؟ هل سيتفطن الأديب العربي إلى دوره كمثقف عضوي بمعناه الوظيفي ليدافع عن هموم الأمة ويلمع صورتها في الخارج؟ أم سيحافظ كعادته على جدار مبكاه المألوف؟ هل سيبتلع الطعم باكرا، مثلما يمسد الساسة حبله، وينسف لغته وعدته الجمالية بلغة القتل والحقد والفتنة والطائفية والدعشنة أولا وأخيرا؟ عوض ان يستثمر هذا الوضع الدموي، ويقدم لنا أدبا صادقا ببعده الإنساني كما عهدناه في أدب السلف، يصحح به على الأقل الانطباعات السيئة التي نقشتها داعش في أذهان ووجدان الشعوب الأخرى عن الثقافة العربية الأصيلة.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى