دليل القارئ إلى ديفيد فوستر والاس

الجسرة الثقافية الالكترونية
أحمد شافعي *
المصدر / ثقافة 24
في وقت مناسب تماماً، تصدر أنطولوجيا “قارئ ديفيد فوستر والاس”، لتحقق جملة من الأغراض لفئات مختلفة من القراء، حيث يمثل هذا الكتاب للقارئ العادي (إن كان لوالاس قراء عاديون) مجموعة من أفضل أعمال الكاتب، الذي حقق شهرته الطاغية بروايته “النكتة اللانهائية”، المؤلفة من ألف وتسعة وسبعين صفحة، أي بما يزيد عن حجم هذا الكتاب بأكثر من مائة صفحة.
يبدأ الكتاب من قصة “كوكب تريلافون، في علاقته بالشيء الرديء” المنشورة أصلاً سنة 1984 وهي أولى أعمال والاس هذا الكتاب بوصفه إعادة تقديم، أو حتى تقديماً أولياً لوالاس، الذي انتحر في عام 2008، يذكرنا بما يمكن أن يمنحنا أدبه من متعة، وهو بالنسبة للمعلمين بمثابة كتاب مدرسي موجه إلى الطلبة ذوي العقليات الحرة، القادرة على النفاذ إلى ما وراء قشرة أعمال والاس، بحسب ما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز”.
جسر بين كتابتين
وهو لمن يرغب في التصفح العابر عمل عامر بالعبقرية ـ والرعب، غير أن قدر المتعة الهائل في هذا الكتاب ينتمي إلى النوع الذي لا يمكن الاكتفاء منه بنظرة عابرة، كالتي ننالها من قطار مارق على مناظر طبيعية خلابة.
لقد حاول محررو الكتاب أن يستعرضوا النطاق الكامل لمواهب ديفيد فوستر والاس، برغم وعيهم التام باستحالة الإلمام بها جميعاً، فلم يكن بوسعهم إلا انتخاب مختارات من قصصه (وهي مقتطفات تصل إلى ستمائة صفحة)، وكذلك عينات من كتاباته للصحافة.
وهذه المادة التي تعبر الجسر القائم بين الكتابتين الأدبية وغير الأدبية، تبدو أكثر إثارة مما قد تبدو للوهلة الأولى، ففيها طرف من محاضرات والاس عن كتَّاب كان يقوم بتدريسهم (ومن بينهم ريناتا أودلر، وجورج سوندرز، وجيه دي سالنغر، وجوان ديديون)، ومن رسائل إلكترونية كان يتبادلها مع والدته وزميلته في التدريس، سالي فوستر والاس.
حميمية غامضة
والاطلاع على هذه الكتابة يبدو أشبه بالتطفل على حالة من الحميمية الحافلة بالغموض (ماما: كنا نعرض للفارق بين lie وlay وسألني طالب عن الزمن في الجملة التالية: كان الجرار رابضاً في الفناء، أهذا هو زمن الماضي المستمر؟ لماذا استخدمنا lie إذاً وليس lay ما دام lay هو التصريف الثالث من lie؟ فتعرّقت وتنحنحت وعدلت ربطة عنقي، ولم أدر ماذا أقول؟) كذلك يبدو الاطلاع على هذه المراسلات أشبه بالفرجة على متنافسين عالميين، لا يريد أحد فعلاً أن يقع بينهما.
ويجد القارئ نفسه يحلم، حينما يقرأ خطط والاس التدريسية، بما لو كان يمكن أن يحدث لو قام والاس بتدريس أعماله الخاصة، حيث دأب على تكليف طلبته باختيار عمل أدبي يعني لهم شيئاً ما، والكلام عما “تجده في هذا العمل إن استطعت”، ثم إنه كان يحاول أن يخرج منهم بأفضل ما يستطيع من الإجابات.
وكان يمكن لـ “قارئ ديفيد فوستر والاس” أن يستفيد بمقالة سيرية توفر سياقاً للرجل ولحياته ولكتابته.
اكتئاب
كان ديفيد فوستر والاس في سنوات دراسته الثانوية لاعب تنس بارعاً، وكانت ممارسة هذه اللعبة من أمتع لحظات حياته، ولكن بطل التنس القديم هذا هو نفسه الذي خاض في سنوات عمره التالية معركة طويلة (وخسرها) أمام الاكتئاب.
يبدأ الكتاب من قصة “كوكب تريلافون، في علاقته بالشيء الرديء” المنشورة أصلاً سنة 1984، وهي أولى أعمال والاس، والتي نشرت أثناء دراسته الجامعية في كلية “أمهرست”، وتصف الأسباب التي تجعل شخصية القصة الرئيسية تعيش خارج كوكب الأرض، بفضل دواء مضاد للاكتئاب.
وينطلق الكتاب من هذه القصة مع أعمال والاس المتتالية فيقتطف من “النكتة اللانهائية” (أكثر من مائتي صفحة) و”من الملك الشاحب” ومن أعمال أخرى، وفي الكتاب نماذج من كتاباته في أدب الرحلات والنقد الثقافي وغيرها من المجالات العديدة التي كتب فيها، والتي قد لا ينتهي القارئ من الاطلاع عليها في هذا الكتاب إلا برغبة في الرجوع إلى مصادرها الأصلية.